منذ متى يُستَغفَل الجميع؟
ذات مساء، و بين ضجيج المنصات و ضبابية المواقف، تساءلتُ في داخلي:
منذ متى بدأ هذا الاستغفال الجماعي؟
منذ متى صار العمل البرلمانى نزوة شخصية ؟
وكيف ومتى اختلطت أوراق الوعي عند المواطن
لدرجة لم نعد نفرّق فيها بين من يعمل لمصلحة بلده… ومن "يبدو" أنه معنا
وهو فى الحقيقة مسافر عبر نزواته؟
................................................................................
لم يكن السؤال عابراً ..
كان أشبه بإنذار داخلي، يأتيك حين تُدرك فجأة
أن ما يجري من حولك ليس صدفة،
بل نتيجة هندسة خفية.
هندسة تعمل بصبر، و بنفس طويل، لإعادة رسم الخطوط
لتهميش التاريخ واحلاله بالجغرافيا المبتكرة .. جغرافية القوائم
لقد أصبحت اللعبة مكشوفة .. لكنها ماكرة.
شيء غريب يحدث..
من كان يُفترض به أن يكون في موقع الاتهام،
صار يُصوَّر على أنه رجل المرحلة
النائب المتنقل بين الولاءات، المتورط في نسف الجبهات من الداخل
وتفتيت عصب التواصل الاجتماعى وهدم كيانات قائمة من مئات السنين ،
الآن
يُقدَّم اليوم على مواقع التواصل وفي المساحات المهملة فى القرى
كصاحب "رأي مستقل" وكرجل مرحلة ... وأن هذا من متطلبات التغير
وكأن المصالح الشخصية صارت وجهة نظر، و المراوغة صارت شجاعة.
.............................................................................................
هل المشكلة فينا؟
أم في مَن يعبث بعقولنا دون أن نشعر؟
الوعي الجمعى لم يعد كما كان. لقد أصبح هشّاً، سريع الانفعال،
قابلاً للتأثر بالمؤثر، حتى و إن كان مؤجَّراً.
صار الخطاب الحيادي أكثر تأثيراً من الحقيقة.
و صار الصوت العالي يُغطي على السؤال البسيط:
ما الذي يخفيه هذا الشخص؟ و لماذا الآن يقدم نفسه كرجل مرحلة ؟
ليست المعركة على الحقائق فقط، بل على الفروقات. وتوسيع دائرة الساحات
وجمع الهواة والمريدين
يريدون أن ننسى هذا التاريخ البرلمان الذى تحقق :
الهدف واضح ..
وهو محو الخطوط الفاصلة والمسافات بين المعانى ،
الهدف واضح وهو أن تعيش في عالم رمادي، كل شيء فيه قابل للتبرير،
و كل خيانة لها ألف تفسير، و كل سقوط أخلاقي يُعاد تسويقه كتحوّل فكري. ومتطلبات مرحلة
.......................................................................................
إنها ليست عشوائية .. بل خطة منظمة ، وتدبير محكم الهدف منه التهميش ..
بل خطة منظمة
لا تهاجمك فى التفاصيل لأن التفاصيل تربكه ، بل عبر خطة تُربك وعيك بصمت.
تجعلك تتعاطف مع عدوك، و تشكك في صديقك،
و تبحث عن حياد لا وجود له في زمن التهديد.
........................................................................................
إذن ما النتيجة
النتيجة : وعي سطحي بلا حدود .. وهيجان عطفى سرعان ما يهدأ
شيئاً فشيئاً،
لم يعد للمعارك الانتخابية ملامح.
لم نعد نعرف من ينافس من، ولا من يدافع عن ماذا.
تساوت المبادئ بالنتائج، و الوسائل بالغايات.
كل شيء أصبح قابلًا لإعادة التشكيل:
حتى الرموز، حتى القيم، حتى الولاء.
..........................................................................................
البطانة والمطبلتية
منصات التواصل ساهمت في ذلك و خلقت بؤراً لصناعة الانطباع،
و الحقيقة أنه علت الأصوات، و تقلّص الفهم ،
وباتت الصورة أهم من المضمون،... و اللافتة تغني عن الموقف.
في هذا المشهد الضبابي، لا بد من يقظة واعية، نحتاج أن نسأل مجدداً:
•من يُحرّك هؤلاء السوقة والمأجورين؟
•من يمول حملاتهم الإنتخابية ؟
•ما هدفهم الحقيقي من الترشح والفوز بكرسى البرلمان؟
•لماذا يظهرون فقط عند الانتخابات؟
•ولماذا يتحدثون بلغة وطنية في ظاهرها، لكنها تُفرّغ الوطنية من مضمونها؟
نحن يا سادة لا نعيش في زمن العفوية،
كل صوت، كل حساب، كل "رأي تالث"، يخضع لظروف إنتاج دقيقة.
و المتورطون لا يخططون لإقناعك فقط،
بل لإرباك إدراكك حتى تفقد الثقة في كل شيء.
............................................................................................
دعونا نسأل للمرة الأخيرة:
من الضحية هنا فعلاً؟
هل هو الناخب الذي يتقن التفاؤل ؟
أم المرشح الذي أُغرق حاضنته ومحبيه في بحرٍ من التضليل
حتى أغرقهم دون أن يشعرو؟
......................................................................................
بإختصار
نحن الضحية حين نصمت ..و نكتفي بالمراقبة.
و حين نسمح لزيفٍ صغير أن يكبر في مجالسنا،
وصفحاتنا، و حديثنا اليومي .. حتى يبتلع الحق كله.
الوعي لا يُمنح… بل يُحمى.
و الفرق لا يصمد ... إلا إذا عرفنا كيف نرسمه، و نحرسه، ونتعامل مع أي محاولة لتضليلنا.
.....................................................................................
فلا تُخــــــــــدع…
إذن أنت ليس ضحية، بل أنت أخطر من ( المرشح ) ذاته لأنك تشرع له خداعه :
لأنه يتقن لبس وجهك ويطلق رصاصه من داخلك نحو أحلام البسطاء
دمتــــــــــــم بخيـــــــــر يـا ســــــادة


ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق