هارون وما أدراك ما هارون يا مسلم..! هل تعرفه جيداً ؟
يعتبر هارون الرشيد رحمه الله تعالى من أشهر خلفاء بَنى العبّاس وأكثرهم ذكراً حتى في المصادر الأجنبية ك"الحوليات الألمانية" على عهد الامبراطور شارلمان التي ذكرته باسم "ارون" والحوليات الهندية والصينية التي ذكرته باسم "الون" أما المصادر العربية فقد أفاضت الكلام عنه لدرجة أن اخباره قد امتزجت فيها حقائق التاريخ بخيال القصص، ولاسيما الكتاب الملعون الذى يسمى "ألف ليلة وليلة" وقد أتوا بأخبار كاذبة ومُزورة عن هذا الرجل الفاضل العابد الفاتح، وقد صوروه بالخليفة المسرف في الترف والملذات، وأنه لا يعرف إلا اللهو وشرب الخمور ومراقصة الغانيات..!! وهذا طبعاً على عكس الحقيقة والواقع فحسبنا الله ونعم الوكيل في هؤلاء الأوباش المجرمين..،حسناً من هو هارون ؟هو هارونالرشيد بن محمد المهدي بن عبد الله المنصور بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب وشهرته "أبوجعفر" وأمّه الخيزران بنت عطاء، يُعتبر رحمه الله من أشهر خلفاء الدولةالعباسية المباركة وأفضلهم، ولد في مدينة الري عام 149 هـ 766 وتوفي في مدينة طوس عام 193 هـ ٨٠٩ م، بُويع بالخلافة ليلة الجمعة التي توفي فيها أخوه موسى الهادي عام ١٧٠ هـ وكان عمره آنذاك ٢٢ سنة، وقد حمل الأمانة على أكمل وجه حتى ان عصره قد تحدث عنه العجم قبل العرب، وقد فتح الكثير من البلدان في زمنه، واتسعت رقعة الإسلام واستتب الأمن وعم الرخاء وكثر الخير بما لا نظير له..، كان رحمه الله ينشر عيونه ورجاله بين الناس ليعرف أمورهم وأحوالهم، بل كان أحيانا يطوف بنفسه متنكرا في الأسواق والمجالس ليعرف ما يقال فيها، وقد سُمّي العصر الذي حكمه ب العصرالذهبيّ للمسلمين ،هَارون الرشيد رحمه الله من عظماء أمتنا الذين طأطأ الروم رؤوسهم له، وأحنوا هاماتهم رهبة منه، ذلكم هو الخليفة المجاهد هارون الرشيد، ذلك الرجل الذي حاول أعداء تاريخنا وأذنابهم أن يصوروه بصورة شارب الخمر الماجن، صاحب الجواري الحسان والليالي الحمراء، إنه هارون المظلوم الذى كان من أعظم خلفاء الدولة العباسية جهادا وغزوا واهتماما بالعلم والعلماء، وبالرغم من هذا كله أشاعوا عنه الأكاذيب وأنه لاهم له سوى الجواري والخمر والسكر، ونسجوا في ذلك القصص الخرافية والحكايات الواهية، قال عنه ابن خلقان رحمه الله فى كتاب وفاة الأعيان "كان من أنبل الخلفاء وأحشم الملوك ذا حج وجهاد وغزو وشجاعة ورأي،وقد ذكر الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد "وحكى بعض أصحابه أنه كان يصلي في كل يوم مئة ركعة إلى أن فارق الدنيا، إلا أن يعرض له علة، وكان يتصدق في كل يوم من صلب ماله بألف درهم، وكان إذا حج أحج معه مئة من الفقهاء وأبنائهم، وإذا لم يحج أحج في كل سنة ثلاثمئة رجل بالنفقة السابغة والكسوة الظاهرة"، وقد أحصى المسعودي سنوات حجه بالناس فكانت: ١٧٠، ١٧٣، ١٧٤، ١٧٥، ١٧٦، ١٧٧، ١٧٨، ١٧٩، ١٨١، ١٨٦، ١٨٨هـ ، وقال الذهبي في تاريخه "سنة تسع وسبعين ومئة وفيها اعتمر الرشيد في رمضان ودام على إحرامه إلى أن حج ومشى من بيوته إلى عرفات"، وقال أبو الفدا في المختصر "ثم دخلت سنة ثلاث وسبعين ومئة وفيها حج الرشيد وأحرم من بغداد"، وقال الغزالي في فضائح الباطنية "وقد حُكي عن إبراهيم بن عبد الله الخراساني أنه قال"حججت مع أبي سنة حج الرشيد فإذا نحن بالرشيد وهو واقف حاسرٌ حافٍ على الحصباء، وقد رفع يديه وهو يرتعد ويبكي ويقول يا رب أنت أنت وأنا أنا، أنا العوّاد إلى الذنب وأنت العوّاد إلى المغفرة، اغفر لي كان الرشيد يحب العلماء ويعظم حرمات الدين ويبغض الجدال والكلام، وقد ذكر القاضي الفاضل في بعض رسائله سطور عن سيرة هارون الرشيد حيث قال "ما أعلم أن لملك رحلة قط في طلب العلم إلا للرشيد فإنه رحل بولديه الأمين والمأمون لسماع الموطأ على مالك رحمه الله" إنتهى كلامه رحمه الله، وقد جاء فى ذكره رحمه الله أيضاً "انه لما علم بموت عبد الله ابن المبارك حزن عليه حزناً شديداً وجلس للعزاء فعزاه المسلمون،
هارون يغزو العالم الصليبي في سنة سبع وثمانين ومائة جاء للرشيد كتاب من ملك الروم نقفور بنقض الهدنة التي كانت عقدت بين المسلمين وبين الملكة ريني ملكة الروم، وجاء النص فى الرسالة كالآتي ← "من نقفور ملك الروم إلى هارون ملك العرب أما بعد فإن الملكة التي كانت قبلي أقامتك مقام الرخ وأقامت نفسها مقام البيذق فحملت إليك من أموالها ما كنت حقيقاً بحمل أضعافه إليها، وذلك لضعف النساء وحمقهن فإذا قرأت كتابي فاردد ما حصل قبلك من أموالها وإلا فالسيف بيننا وبينك"، فلما قرأ الرشيد الكتاب استشاط غضبا حتى ما تمكن أحد أن ينظر إلى وجهه فضلاً أن يخاطبه وتفرق جلساؤه من الخوف واستعجم الرأي على الوزير فدعا الرشيد بدواة وكتب على ظهر الرسالة الآتى ← "بسم الله الرحمن الرحيم من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم قد قرأت كتابك يا ابن الكافرة والجواب ما تراه لا ما تسمعه" ثم خرج إليه هارون بنفسه على رأس جيش عرمرم تسبقة رياح الغضب على الروم الصليبين وسار اليهم، فلم يزل حتى نزل مدينة هرقل وكانت غزوة مشهورة وفتحا مبينا على المسلمين، فما كان من كلب الروم نقفور إلا أن طلب الموادعة والتزم بخراج يحمله كل سنة.،وقد أسند الصولى عن يعقوب بن جعفر قال خرج الرشيد في السنة التي ولى الخلافة فيها حتى غزا أطراف الروم وانصرف في شعبان فحج بالناس آخر السنة وفرق بالحرمين مالا كثيرا وكان رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في النوم فقال له إن هذا الأمر صائر إليك في هذا الشهر فاغز وحج ووسع على أهل الحرمين ففعل هذا كله.وقد مات الرشـيد أثناء غـزوه الروم، كما قال السـيوطي في تاريـخ الخـلفاء حيث قال "مات الرشـيد في الغـزو بطوس من خراسان ودفن بها في ثالث من جمادى الآخرة سنة ثلاث وتسعين ومائة هجرية وله خمس وأربعون سنة" هذا والله أعلى وأعلم.
المصادر
١- تاريخ الطبري تاريخ الرسل والملوك ج٨ ص٢٣٠٢- سير أعلام النبلاء ط الرسالة ج٩ ص٢٨٧
٣- كتاب وفاة الأعيان لإبن خلقان
٤- كتاب التاريخ للعلامة شمس الدين الذهبي
٥- تاريخ الخلفاء للعلامة السيوطي
٦- تاريخ بغداد للخطيب البغدادى رحمهم الله جميعاً.