-->
روعة الإحساس روعة الإحساس
random

آخر الأخبار

random
random
جاري التحميل ...
random

المجموعة القصصية ... ( زريبة شملول) تأوهات إمرأة

 

مقدمة //  الكاتب / محمد زين العابدين صبرى ...

.............................

في قريتنا يا سادة الشئ الوحيد الذي نتساوى فيه مع البشر هو أن الشمس تشرق علينا من الشرق وتغرب علينا من الغرب نتلقى أخبار من حولنا من ثرثرة المارين بنا في رحلاتهم المجهولة نرتمي بين حضن الجبل يزاحمنا الرعاة والبدو الأطفال عندنا حفاة يلعبون والرجال عند العصارى يلقون جثثهم أمام البيوت على (حُصر ) صُنعت من الحلف وهو نبات قاسى وجاف والنساء ( يبركن بجوارهم ( يغزلن الصوف أو يغسلن أوعيتهم البدائية حتى كبرنا واكتشفنا بأن الدنيا لم تعد كما كانت .... ولم يعد الدفء هو ذاك الوطن.......... كلنا غرباء نرحل داخل أنفسنا ونغوص في الأعماق نبحث عن شئ إفتقدناه ولا نعرفه فنرجع بلا شئ .. قريتنا ياسادة لا عنوان لها و لا خريطة ولا ملامح وكائناتها لا تُسمع أحد نحن يا سادة خارج حدودالحياة في بطن الجبل حيث لا هوية ولا انتماء معاناتنا كنوز يتاجر بها الأغراب وأحلامنا تجارة تستهوى عشاق الرق وآدميتنا مفردات لا حروف ولا كلمات لها ولا أسطرتُكتب عليها ولا أقلام تخطها نحن يا سادة نعشق المطر ولا نعرف معنى الوطن نهرب إلى الفضاء لضيق الحدود وكثرة السدود والإهمال... معاناتنا كنز للهواة وأمراضنا نحن موطنها لا تبارحنا إلا إلى القبور ... وفقرنا حكر احتكرناه ونأبى تصديره نحن أخطاء الماضي وخطيئة الحاضر ووكائنات غير مرغوب فيها...طلاب المجد نحن سلالمهم وطلاب الشهرة نحن لغتهم ... نحن يا سادة سلعة قابلة للإتجار بها ولاقيمة لها .. نحن مواطنون بلا وطن


.........................................................................................................................

( قصة ) حفار القبور

لم ينتهى  عمال البلدية بزيهم الازرق  وأحذيتهم  التى تشبه خفوف الافيال من نصب اعمدة النور فى شوارع القرية التى انبطحت تحت الظلام لسنيين  وربما منذ أن نبتت فيها هذه الاجساد البائسة وتكومت كانت الشوارع تعج  بالاطفال يتراقصون ويغنون ويتسابقون ثم يتعثرون إما بجلابيبهم المتسخة  المتربة وإما باصطدامهم بعضهم ببعض فيقعون وتتناثر الاتربة والاغبرة  حول العمال فيطاردونهم   ويقذفونهم باغلظ الالفاظ من  سب وشتم لاعنيين تلك الانوار التى ستضى لهؤلاء الاموات بدأ العمال فى نصب الاعمدة  وتثبيتها بالاسمنت والزلط ومد الاسلاك بينهما وبدأوا فى تركيب المصابيح خرجت القرية عن بكرة  ابيها النساء يطلقن  الزغاريد والرجال يتزاحمون يتراقصون  ويحطبون بالعصى على وقع المزامير والطبول حفاة تظهر عراقيبهم المتحطبة وافخادهم اليابسة فيزداد العمال فى لعناتهم والاطفال يهرولون ويحتضنون  الاعمدة لا مفر للعمال الا ان يشاركوهم فرحتهم والا ما استطعموهم طيلة  النهار والغروب مقبل على اكتاف القرية منذ اليوم  لم يعد لاهل القرية  حاجة للقمر ليضى لهم  الشوارع ليلا ولا للمبات العويل التى احرقت صدورهم وسدت انوفهم من قسوة رمادها سيسهرون  امام بيوتهم كأنهم فى وضح النهار يفترشون الحصر والسجاجيد المصنوعة من  بقايا ملابسهم الممزقة او صوف الغنم كان صالح يومها رزق بعد عناء بولد بعد ان طرق كل ابواب الاولياء والصالحيين والاضرحة ليغترف من ترابهم المبارك يخلطه بالماء ويستحم به هو وزوجته دون جدوى هذا غير الاحجبة والبواخير التى صنعتها له الشيخة (شيحة ) وهى تُأمله بالولد وفى كل مرة يحمل لها من الانعام ما ثمن جسده وغلى ثمنه من بيض وطيور وجبن ولبن حتى قال له شيخ الجامع ذات مره (عليك  وعلى ابن بنت رسول الله جدنا الحسين )وادعوا ربك هناك وانشاء الله يكرمك فعلها صالح ركب هو وزوجته  القطار وذهب للحسين  وصلى ودعا الله ثم عاد  (بالسبح والمسك) واهداها لشيخ الجامع الذى طمئنه واكد له ان الله لن يرجعه مكسور الخاطر ... فى  يوم  كانت الدنيا ملبدة  بالغيوم السوداء والرياح لا يكف هديرها والبرق يشق كرش السماء ثم يعود والامطار تتقاطر على استحياء فى الشوارع شحيحة  متناثرة دخل صالح البيت قبل ان تعزم السماء على   البكاء فهى مغرقة اذا غضبت ومثمرة وراوية اذا رضيت كان البيت مكتظ بالنساء لما رأوه قذفوه بالزغاريد والطبطبة على  كتفه وظهره وهم يهنئونه القى  الفأس من على كتفه وحرر(رسن )بقرته التى كان يجرها خلفه وارتمى بين احضان زوجته كالطفل الخائف  المرتبك ثم رفع وجهه  للسماء شاكرا الله اكتست وجوه النساء بالخجل وصككن وجوههن بطرحهن حرجا  مما  فعله صالح فقام  معتذرا وجر بقرته الى       الحوش والدموع تلاعب جفنيه وكبريائه يأبى نزولها حتى تحجرت فى حلقه فابتلعها احس بملوحتها فى علقومه ....كان يود   ان يسميه الحسين تيمنا بالامام الحسين فلما جاء النور الى القرية  اوعز  له  زواره ومهنئوه بان يسميه (نور)لانه جاء والنور يدخل    القرية  نشأ نور بتربية متراخية متساهلة  لا يلام ولا يعرف العيب ولا يعرف للطمع حدود  ومن فرط فرح صالح به زوجه مبكرا ما كاد ان يبلغ الحلم حتى زوجه  يقضى نور معظم اوقاته على المقاهى  انجب صالح بعد نور ابنا سماه حسين  وبنت سماها زينب لم يحظى  حسين  وزينب برفاهية نور لأنه كان  المنقذ لذكورة  صالح فالقرية لايحق لسكانها الا تكون    بعض ذريتها ذكور افرغ نور كل استهتاره وتسيبه قهرا واضطهادا على أخيه واخته  والاب يراقب والام دون  منازعته  فيما يفعل حتى انه امر حسين يجلس فى البيت وابيه يراعى الحقل فلا يجوز ترك البيت دون رجل ليتفرغ هو للسهر على المقاهى وتمارس زوجته دلالها وتكبرها على سكان ذلك الدار فهى الامرة الناهي المخدومة الملبى رغباتها دب فى  عروق صالح  الكبر واشتعل الراس شيبا وتورمت عروقه وانتفخت .. ترعرع فى ارجل زوجته المرض فلم   تقوى على مسايرة البيت فتقسوا على زينب وزوجة نور تنام حتى  الظهر تخرج من حجرتها متأففة من روث البهائم فى البيت تخرج لتلقى نظرة على  الوجوه الكالحة  ثم تدخل  حجرتها تتمايل امام  المرآة وتتفحص جسدها الفائر دخل نور فوجدها بكامل زينتها ملقاة على ظهرها ونهديها يصرخان الى السماء طلبا للغوث تلاعب ساقيها فى الهواء لتكشف عن فخذين يترعرعان  من الخصب انقلبت على بطنها ورفعت عرقوبها تلوح له بهما قالت له بصوت يأتى من أعماق انوثتها يصرخ فى اذنيه فتلتقى ببراكيين الخصب بين مناطقه هم بخلع جلبابه ليلقى بنفسه بين جبروت انوثتها لملمت سروالها وتكيست مناطقها وتورم وجهها وقالت      ماذا فعلت فيما قلته لك انطفأ وجه  نور وتيبست كل الاغصان الخضراء فى روحه فتبخرت الابتسامة من وجهه كان يمنى نفسه بأحلام ليست ملكا له خرج غاضبا ولم يجبها ولم يغادر ذاكرته ما رآه منها وكأنه يراها لأول مرة ذهب الى المقهى يصارع نفسه بين  جنتها وما تطلب وبين نار فراقها فإن  اغضبها فلن يرى منها هذا الدلال والميوعة وربما تطلق ويفوز بكل هذه الغنائم شخص آخر كيف وقد فاز هو بها وان رضاها استمتع بامرأة هادرة  الانوثة رائعة الدلال لم يكمل شرب قهوته اتاه النادل للحساب قال له خذه  من عمك صالح وهب واقفا متأففا قاصدا البيت مرق من باحة  المندرة لاويا سحنته تجاهل اخيه (حسين)المتقرفص على الدكة دافنا عيونه فى اعماق الارض استحوزت عليه الهموم فتثاقلت رأسه على وجع  ابيه وامه وهما يشقيان بين الحقول وهو ماكث فى البيت كالنساء رفع  حاجبه كاسرا عينه تجاه اخيه المارق امامه دون سلام تمتم ثم غاص فى همومه صرخ |(نور )ينادى زينب اخته الصغرى التى انكمشت تحت الجدار وسحبت المقطف لتتوارى خلفه تجنبا لطلعته المرعبة (اين أمك ) تعثرت بجلبابها الطويل الفضفاض المتسخ من روث الحوش وترنحت بكلمات لتطفى وجومه (عند الكرم)اندفع متدحرجا الى الشارع متجاهلا اخيه مرة اخرى الذى تعثرت خطواته تجاه اخته حتى وصل اليها فاحتضنها واربت عليها وعيونه شاردة أخذ نور يشق الارض ويدوس سنابل القمح الطرية لتصنع خلفه  ممر غير مألوف طالعه كرم النخيل تتراقص عيدانه عالية  غير آبهة بشئ اخذت خطواته تتباطئ كلما اقترب من ابيه هنا ولدت احلامه وهنا ماتت الكل يموت وهذا الكرم اللعين صامد  يتوارث الاجيال قال له جده انه لم يعاصر من زرعوه تتعاقب الاجيال على خيره ولم يطلب خيرا من احد حتى ورثه ابوك هنا ولدت نرجسيته  وتمددت ولكنها ايضا شاخت وربما رحلت ترى لو بحث تحت جذوعه لوجد بقايا من كراساته واقلامه      واحلامه ايضا وبعض من خطاباته التى كان يدفنها لمحبوبته لمح امه تتربع تحت فرخ النخيل الصغيرة التى تصنع لها ظلا يحميها من وطأ الشمس الحارقة ملفوفة بملائتها السوداء تخط بالنوى تلاعبه فى الهواء فتخطفه وتكومه على الارض تعاود الخط مرة اخر تقبل النواة المحمولة والشاردة (خير اللهم اجعله خير تفرك  عينيها بطرف طرحتها رفعت حاجبها غشاوة  حالت بينها وبين قراءة المكتوب ... نظر نور الى ابيه صالح الذى تلاشت صحته وبرزت عظامه جسده المرتعش ينم عن وخز  السنين التى قضاها يفلح الا رض رآه يلف الحبل حول خصره ويقبض  بفمه            الفارغ الاجوف الحبل الاخر ليحزم الجريد والزعف لم ترتج مشاعره لما رأه وقف فوق راس أمه يستجمع قواه ليخبرها بما نوى انحنى اا

الاب وحوى بساعديه حزم الجريد حاول رفعها على ظهره فإنكفأ على الارض انغرست شوكة فى راحة يده صرخ محدقا ببقايا من بصره الضائع تجاه ابنه نور لم يعرله انتباها ولكن اوجعه طرق الصراخ الواقع على اطبال اذنيه ... أنا ماشى الولية مش عجباها عيشتكم انا مش عايز خراب .. افرغهم من فمه كأفعى افرغت سمها  فى آذان الابوين ورجع من حيث اتى تاركا خلفه ارتالا من الحزن نسى الاب الشوكة المخروسة فى يده وانخرط  على الارض لا تحمله ساقاه شاردا بما سمع أمطرت عيون الام بالدموع واخذت تولول بصوت عالى (قالوا بنية اتهد الدار عليا وقالوا وليد وسع البيت )كان حسين وزينب يتبعانه دون ان يراهم هرول حسين الى ابيه ورفعه ثم رفع حزمة الجريد ووضعها على الحمار وجلست زينب بجوار امها تلملمها ثم انزوى الجميع تحت ظل النخيل يرقبانه وهو يهدر الخطى حتى غاب عنهم رحلت الايام والسنيين بلا رجعة وهذه القرية الملعونة لم يزدها النور الا ظلاما لعقول اهلها وغابت اخبار الاخ الراحل بين احضان الخليقة الا ابيه وامه ومكث صالح فى البيت من وطأة الوجع وحسين يباشر مهام ابيه هذا الفتى الفتىى وعاودت زينب مهام  البيت بنشاط وحب وهدوء طالت غيبته وتورم الحنين بين عروق الوالدين الكهليين وكأنهم يأبيان الموت فى انتظار عودته انطفأ شموع لم يرى نورها ولم يمارس طقوس الغضب على اول بشراه ويأمل نفسه بعودته  كانت مسبحة العمر سريعة لم تعفو الابن  البكر من طلعتها  هاجمت نور شيخوخة مبكرة وتبلط رأسه بالشعر الابيض وانتفخت شرايين وجهه ويديه لم  يجد الاحلام والجنة التى رغبته فيها زوجته ولم يجد العمل الكريم والعيش الرغيد وراحة البال فاندست بين ضلوعه شيخوخة مبكرة ما وعيها من ثقل مهنته المرعبة فقد ضاقت عليه السبل فلم يجد عمل لا يزاحمه فيه أحد الا (حفار القبور ) يستأجره اولوا اليد الطولى فى حفر قبور زويهم اذا اشرفوا على الموت ... انكفأعلى الموقد يشعل النار هاج داخله الحنيين تخيل ابويه ممددان فى الحفرة التى يحفرها وقد تحطبت سيقانهم وجفت مياه وجوههم شاخصى الابصار اليه لا يغمضون جفونهم اندفع للخلف فى محيط الحفرة هاج داخله الحنيين وانفلقت حباته فأنبتت داخل قلبه سنابل وازهار  ارتعد جسده الهزيل وهو ينفث حمما من فمه الفارغ وزوجته تتتقرفص بجواره تتحسس موضع الكنكة على الموقد تزحف على مؤخرتها بعد ان تورمت ساقيها من قسوة المرض لم يعد يملكان الا هذا الوحيد النافق فى الارض يحفر قبرا آخر لمتيسر آخر ينتظر وفاة ابيه ليرث ما لا يحصى ولا يعد ولن يناله منها الا فتات يطعم به هذين العبئيين على اكتافه نظر نور الى شعر زوجته المجعد النافروعراقيبها النحيلة ها قد أتى الخريف وعرى هذه الشمطاء من جمالها وانوثتها ولم  يتبقى منها سوى عروقها وفروعها المتيبسة  تذكر والديه صاح (نفق العمر وما وجلت رضاكم)دك ساعديه المرتعة فى الارض هاما بالوقوف ليستدرك قطرات ربما بقيت من عمر ابيه وامه تلاعبت الرياح بجسده الواهن فتراقص فى الهواء وهوى على الموقد فأوقد الجمر المتقد خده وهو لا يقوى على الاستدارة او الوقوف صرخ يستغيث بابنه الوحيد النافق فى القبر الاخر بجواره اطل الابن من الحفرة ونفض يديه من غبارها حالت بينه وبين ابيه  فشب على اطرافه ليراه ملقى على الموقد والنار تشو ى خده انسلخ الابن من الحفرة النافق فيها ونفض يديه من غبارلا تغيب رائحته انحنى والتقط جلبابه واندس فيه ثم نظر اليهم وتأفف وبصق على الارض وارتجل دربا من ذهب فيه لا يأتى ابدا

.............................................................................................

قصة (صوامع يوسف يحميها اللصوص )

حتى فصول الأعوام تداخلت وتشابكت ولقح بعضها بعضا تهب على بعضها متى شاءت فاقبل الصيف في الشتاء والخريف في الربيع ثم تاه الربيع وتساقطت أوراق وزهور كنا ننتظرها كل ربيع فأدركناها في فصل الخريف لا موعد لرحيل الشتاء ولا لقدوم الصيف والورود نزرعها طوال  العام  ونبذرها  متى شئنا ولكنها بلا رائحة تهيج المشاعرأوعبيريرتويه الصباح وتلك البذور نداولها بين الفصول حتى وجع  القلوب صار جسورا يعبر عليها مرضى  القلوب والانكسارات دروب مضيئة يمر بها الشامتين والابتلاءات محفل عرس وزينة للحاقدين تقف الدنيا  على  أطرافها بلا ملامح ولا حدود والشر حديقتها التي تنموا فيها البساتين وأزهار حملت زينتها من وجع القلوب... خارج محراب القرية اندثر أزيز السواقي وصياح  (وارد الشادوف )واختفى أبو قردان الذي يجوب المساقى وغنم القوم التي  تهوى في المراعى ٍفتشققت حلوق الأرض كما تشققت حلوق الخلق وغصون الأشجار هجرتها العصافير في الليالي الطرية ..... صفعه  أبوه وهو صغير وقال له طيبتك ستجعلك طعما للئام والطامعين عندما رد على أبيه وقال له (ازرعوا الخير تجدوه ) لم يكن يعلم إن حكمة أبيه حصادها تجارب سنين فلما مات أبيه وقف على قبره  يصيح وما هى الطيبة يا أبى ..... كان يحب أبيه  ويحب أن يسمع منه (حداد ) السواقي والشواديف وهى أغنية يجارى بها الشادوف لري الأرض مات وتركه هو وأمه فى دنيا تغرب فيها كل شئ ٍ وتبدل كل شئ المشاعر بالمصالح والغناء بالنفاق والرقص بالغواية  والقرآن تجارة مزجاه  عند أهل العمائم إلا المحترفين في نصب الكمائن عند أصحاب الدراهم قال له  الشيخ (وفى السماء رزقكم وما توعدون ومن يومها يبرق للسماء ينتظر وعدا سيأتي فلما طال انتظاره ذهب إلى الشيخ يسأله لم ينزل يا شيخنا الرزق من السماء ... ضحك الشيخ لصغر سنه وقال له الرازق هو من في السماء ولكن انزل رزقه على الأرض وقد يكون الرزق هو الجنة في الآخرة .. وقال له اقرأ يا غريب   ألم  تحفظ سكت ولم يقرأ ثم سأل  ما الموت يا شيخ قال له الموت يا غريب كالنوم تنام إلى أن يشاء الله ثم توقظك الملائكة لتلقى ربك هناك حيث النعيم وجسدك هذا هوصندوق لروحك فإذا خرجت الروح تعفن بلا الم ولا وجع فمات شيخه في (كُتابه )ولم يعلم بموته احد حتى تعفنت جيفته  دلتهم عليه رائحة الموت  فلما دخلوا عليه وجدوه مطبقا بكلتا يديه على (مصحفه )وذهب شيخه بجوار أبيه فصاح على قبرهما   صدقت يا أبى فقد مات الطيب حتى دلتهم عليه دابة الموت ..تذكر أبيه وشيخه فبكى وذهب إلى أمه التي جارفها الوجع والألم جلس عند أطراف أقدامها ولمحها تتأوه من وقع الوجع فلما رأته ضحكت متصنعة حتى لا تحزنه فضحك   وهو يعلم مرارة وجعها  ارتمى على فخذها ودفن وجهه في عباءتها وولول بالبكاء ... ضاقت يا أمي وأغلقت أبوابها وتزاحمت  ونزعت البركة منها فلا أرزاق ولا أعمار تدوم والأوجاع هي فقط من تدوم أخاف يا أمي إن تموتي كشيخي  وأنا بين السواقي ابحث عن مدى صوت أبى ،ملست على رأٍسه ورفعته من حجرها الذي أغرقه بالدموع ونهرته لا تبكى كالنساء  ولكن لا تتركني وحدي فمنك استمد رائحة الحياة ويهجرني الموت الذي يلاعبني كلما غبت عنى  ارتمى في حضنها وهو يصيح  .. ضيق الحال وغلق الأبواب جعل الوجع يعض جسدك المريض  النحيل فمثلنا يا أمي حمولة زائدة  على موائدهم ... فر قاصدا الباب لا يدرى إلى أين ستؤويه خطاه والشوارع ملئي بالأطفال الحفاة يتلاعبون بإطراف الجريد ومن الخوص يصنعون خواتم طرية لهم وكلاب الحواري تعوى على كائنات أمرتها الدنيا بالرحيل فلا مكان يؤويهم فارق بوارج القرية المصنوعة من  الطين والخوص وأوى إلى المزارع يستجدى رقائق النسيم  الهاربة من قيظ الضروب  جلس  على  حافة الجدول يفلت ساقيه لبرودة الماء المارق وخيوط العشب تدغدغ ساقيه تمرق العصافير من حوله تنقر الماء وأشياء مدفونة بين مسامات الطين الطري حول الجدول وهدهد سليمان يبقر الأرض بمنقاره ولا يهدأ.... قالت له لا تخرج  وتتركني اعبث بالفراش أنى أخاف أزيز السرير وتماوج الجدران وتراقص المصباح المشنوق بسقف الغرفة .... وأطبقت على طرف جلبابه ... ومن يجرعني الماء إذا جف حلقي الذي لا يبتل ولا يروى غافلها وهى تسبل عينيها إلى ورم النعاس وتسلل إلى الغيطان يزيل بعض الأقبية التي طوقت قلبه وزاحمت أنفاسه هنا فقط على حافة الجدول يفرغ حمولة القلب الموجوع من أزقة الحزن والقهر  .. تذكرها وضحك كل لحظة تسأله .. من آنت يقول لها أنا ابنك غريب وبعد لحظة تسأله من أنت يقول لها ضاحكا ابنك غريب  غريب غريب والله غريب يا أم غريب ... كم جابت الأسواق والمزارع والمحاصد وهو الآن عاجز عن علاجها في زمن الأكاذيب لم يستطع سماع أنينها فغمر رأسه بين خرير الماء كم مرة فكر أن يسألها لماذا سمته غريب وينسى تنسيه ألامها وأوجاعها فيضحك بمرارة لأنه يعلم إنها لم تكن أحسن حالا قبل أن يمتطيها المرض  قالت له إن المرض هو القدر الذي نفرغ فيه مرارتنا ليراها الناس فوخز القلب اقسي من وغز البدن كابرت كي تربيه في زمن الأكاذيب وهو الآن يكابر كي يدفنها بجوار وشيخه الذي حدثه عن وصايا لقمان ولم يجبه الشيخ ماذا قال لقمان لابنه  عن ضيق الحال وعسر اليد والركب قد حمل الماء .. وصوامع يوسف ملئت بالحب الحرام ... ماذا قال لقمان لابنه واللصوص  قد حصدوا المزارع وجففوا المنابع وسرقوا الحلي  من  النساء  .... ماذا قال لقمان عن أمه التي صكها الوجع وناطحها اليأس  وشفائها دراهم    معدودة  كالتي بيع بها يوسف .... رفس الماء  بحوافره حتى غاصت  في الطين  وهب واقفا أطاح بيديه الهواء فتطايرت العصافير وهدهد سليمان وصرخ في المدى صوامع يوسف  يديرها اللصوص ووصايا لقمان بدلها ابن سلول ... انسل من الأرض إمامه الصغير وقال له إن جدتي تناديك أسرع معي لتسقيها الماء  خطى خطواته إلى سقيفة البيت يحمل بين يديه كوب الماء  فوجد سيارة يوسف بدلوهم قد جاءوا وحملوها إلى حيث أنها لن تخبر احد بما ترى ولم يخبرها احد بما رأى

.............................................................................................

قصة ( العرافة )

في قريتنا الشئ الوحيد الذي نتساوى فيه مع البشر هو أن الشمس تشرق علينا من الشرق وتغرب علينا من الغرب نتلقى أخبار من حولنا من ثرثرة المارين بنا في رحلاتهم المجهولة نرتمي بين حضن الجبل يزاحمنا الرعاة والبدو الأطفال عندنا حفاة يلعبون والرجال عند العصارى يلقون جثثهم أمام البيوت على (حُصر ) صُنعت من الحلف وهو نبات قاسى وجاف والنساء ( يبركن بجوارهم ( يغزلن الصوف  أو يغسلن أوعيتهم البدائية

حتى كبرنا واكتشفنا بأن

الدنيا لم تعد كما كانت .... ولم يعد الدفء هو ذاك الوطن..........  كلنا

 غرباء نرحل داخل أنفسنا ونغوص في الأعماق نبحث عن شئ  إفتقدناه ولا نعرفه

فنرجع بلا شئ .. قريتنا ياسادة لا عنوان لها و لا خريطة ولا ملامح

وكائناتها لا تُسمع أحد نحن يا سادة خارج حدودالحياة في بطن الجبل حيث لا

هوية ولا انتماء معاناتنا كنوز يتاجر بها الأغراب وأحلامنا تجارة تستهوى

عشاق الرق  وآدميتنا مفردات لا حروف ولا كلمات لها ولا أسطرتُكتب عليها ولا

أقلام تخطها  نحن يا سادة نعشق المطر ولا نعرف معنى الوطن نهرب إلى الفضاء

لضيق الحدود وكثرة السدود والإهمال... معاناتنا كنز للهواة وأمراضنا نحن

موطنها لا تبارحنا إلا إلى القبور ... وفقرنا حكر احتكرناه ونأبى تصديره

نحن أخطاء الماضي  وخطيئة الحاضر ووكائنات غير مرغوب فيها...طلاب

المجد نحن سلالمهم وطلاب الشهرة نحن لغتهم  ... نحن يا سادة سلعة

قابلة

 للإتجار بها ولاقيمة لها  .. نحن مواطنون بلا وطن

 1

لامفر من المروق بين الجبال ،أخذت تطالعنا ملامحه القاسية تسيل منه حرارة تنصهر فوق رؤوس الركاب فتتصبب عرقا،تنبت حباته على الجباه المنصهرة فيمسحون بمناديلهم الورقية هذا النضيح النافذ من أسفل الجلد .....راح بعضهم يريح رأسه على الزجاج وقد أطبق عينيه على حلم غربته يعارك النعاس الرابض على حدود جفنيه ،وبعضهم يعيد قراءة جريدته....كانت الطريق تتلوى كالثعبان والسائق يقبض على عجلة قيادته في قلق وتوتر  مترقبا ظهور أي جسم غريب مفاجئ من بين نتوءات الجبل يعيق أحلام المسافرين...... هي نفسها رائحة الصحراء، رائحة الجبال المنسية والرعاة المنسيين يمرون بأغنامهم بين الجبال يزرعون الخيام التي لا تعمر كثيرا ،ثم يرحلون بملامحهم الصحراوية المصبوغة بأشعة الشمس  ووخز السنين المنقوش على وجوههم فتكسوها سمرة نحاسية لامعة وشعر أجعد أكرت وآذان مشرئبة ومنتصبة إلى أعلى وسيقان طويلة  يابسة متحطبة تبرز منها العظام نافرة ومترنحة  ، هي هناك أيضا بملامحها القروية تنتظر ،ثمة علاقة قوية بين أهل البوادي وأهل القرى ،ربما في العادات التي توغلت فى  صدورهم أو في صحوة الشمس التي تلسع الوجوه فتعيد صياغتها القمحية المتربة .... تنتظر على الطريق تتفحص العابرين والمارة  فالخلق قد تشابه عليها لعلني أكون أو لا أكون ولما تراني تضحك وتخفي وجهها بطرف طرحتها ، كثيرا هى  ما اختلقت الأكاذيب عن الابن الراحل لتريح الأم المنتظرة..... زينب بنت الخال هي أيضا منتظرة تخاف على العاق لنفسه من أرحام المدن ففي الغربة غرائب لا تعرفها ولكن تحسها تخاف أن ينبلج عليه رحمها فتحويه ولا ترجعه.

                                               2

تساند العجوز المعاندة لعواصف الوجع تعرف أن (العمة ) قد تبعثر نظرها وتآكل عظمها وتمدد الجلد على الوجه وتراخى ليرسم خطوط الشقاء والمعاناة  على الجبهة الذابلة الصفراء واحتقن الدم تحت الجفون وتورم ، تبل لها  الخبز في الماء بعد أن تساقطت صفوف العاج من الفم الفارغ المظلم تنتظر بجانبها ولوج ابن العم الذي يسبح في الشتات وبصوتها الهادئ الدافئ الآتي من الأعماق .....تسألني : ؟

·      -         تسافر كثيرا وتتأخر ونحن ننتظرك.

·      -         أشتاق إليكم كثيرا أشتاق إلى أحضانكم ودفؤكم...... كثيرا ما فكرت في رفس الغربة ولكن......

ننتظرك على ملل ونحن لا نعرف ميعاد عودتك.

·      -         الغربة يا زينب ليست غربة المكان ولكن هي تلك التي تعشش داخلنا غربة نحسها ونحن بين الأهل لأن الأهل ما صاروا أهل.

·      -         ألا تجد فينا أهلا يا ابن العم؟

·      -         في الغربة يا زينب تتأجج المشاعر وينمو برعم الحب الضامر في القلوب....

·      -         ولكن بعد المسافات وانقطاعك

·      -         كلما بعدت المسافات زاد الحنين والشوق إليكم

·                                                           3

·                  فتغيب زينب متحررة من عبق همومها وترنوا

إلى بعيد فهي تحب حكايات العمة عن البيوت المغلقة على أسرارها ، تجلس بجوارها تلاعب أصابعها بين حبات القمح المسكوبة على السجادة لتعزل الحصى عن القمح قبل إرساله إلى الطاحونة ...فتحكى للصغيرة"تربتي يا زينب تربة صخرية لا تنبت فيها الحبوب وحينما انفلقت بذرته نادته الجبال ،هو يعشق الجبال ،عاشر العرب والغجر أكل من طعامهم ونام في خيامهم ،يغيب عني كثيرا و أذهب أنا وراء الوحيد أعدو أفتش عنه بين الخيام وعند عثوري عليه أضربه وأنا حزينة ، أضربه لأني أخاف عليه وحزينة لأني أضربه تأتيني أخباره بأنه يتسلق مؤخرة العربات المنطلقة على الجسور ويقفز وهي مسرعة فينسلخ جلد وجهه ويتمزق ثيابه فينقبض صدري وتعاودني كوابيس أخباره التي قد لا تسرني ،كان يجثو فوقك ويقبض على شعرك وأنت تحته تستغيثين وتصرخين ثم تشتمينه فيزداد عناده ويظل يضغط على شعرك ونحن من حوله فرحين ، كنا نظن أنها أولى أعتاب الرجولة أن يضربك ولما تورم صدرك وبدأ يعلو ساحبا ثوبك إلى أعلى كان يشم رائحة غريبة تنبعث من جسدك الساخن فتوجعه أنفاسك بدأ يستأنسك ويستحي من الالتصاق بك .... كان يحبك يخفي لك الطعام حتى تعودين ويبكي عندما تغيبي عن البيت ....."

تنظر زينب الى عمتها وقد تآكل جسدها  وتتمتم

هذه المرة غالبها المرض فاعتكفت على السرير تدعو لسلامة عودته ولا تدعو لشفائها ،

                                              4

....تفادى السائق منحنى كاد أن يهلكنا مرقت أمامه غجرية تحبو خلف أغنامها تناغى السائق بكلام ينم عن سخطه من تلك الشقية التي تآكلت اقدامها من زلط الصحراء  تابع عدوه بين الجبال لوحت للسائق بيدها لم يجد بدا من الوقوف لقد نصفت الطريق بجسدها اتضحت معالمها ضحك هي العرافة التي تسوق للمسافرين أخبارهم ....كانت تحمل فوق رأسها صرة مررت بصرها بين الرؤوس المطلة من الزجاج "انزل ......نعم أنت انزل " زعق السائق: " انزل يا استاذ شوف بختك" ،أنزلت الصرة من على رأسها وتقرفصت :

·        ·       ارمي بياضك

·      -         (فكت الصرة وداعبت الودع في الهواء ثم تركته يهوي على الأرض نظرت إليه ثم إلى الودع وقالت:

·      -         ليه كده يا استاذ ، دائما تتعجل الترحال تترك المريض وتسافر ، ألا تعرف أنه أيضا يريد السفر ولكنه سيسافر سفرا أطول من سفرك ،خد يا أستاذ لو كان رجوعك يفيد ما أرجعته لك.

نظر إلى الخلف باعدت المسافات بينه وبين القرية...... الصحراء مدى يسبح فيه الفضاء ،بدت القرية صغيرة وحقيرة ،تذكر المنطرحة وصورة العرافة تتماوج وتتآكل حتى صارت كخيوط دخان تتصاعد إلى السماء وتتلاشى. تثاقلت رأسه وتهاوت حتى غاب بوعيه عن العرافة والسائق اللذان يذكرانه بالحياة ، لم يغب كثيرا حتى تثاقلت في رأسه القرية أعادته إلى عالمه المندس بين هياكله وعلى جفون السائق ،تتورم خلايا النعاس وتتضخم ،تقدمت يده بسيجارة تلقاها السائق وعيناه منشغلة بهواجس الطريق.

                                               5

غمرهم السكون مرة أخرى وراح السائق يعارك النعاس والطريق...... القرية أيضا عذراء لا تزال بخصوبتها بشوارعها البكر وبيوتها الهزيلة ، في الصباح يخرج الناس خلفهم أغنامهم هي تلك الرفقة المعتادة ... ضجيج البهائم في الصباح وعند الغروب يشبه كثيرا ضجيج العربات في المدن ولكنه ضجيج يطرب الفلاح ويدغدغ مشاعره ..... مع دنو شمس الأصيل تخطو العرافة أعتاب القرية تدك بقدميها الأرض فينفجر صهيل خلخالها مع كل خطوة تخطوها ،تتمايل في مشيتها وتراقص خصرها في تحدي غريزي صارخ...."أوشوش الودع أشوف البخت وأبين زين...." تظل تعدو في القرية حتى آخر ضوء تبرك أمام أحد المنازل وتتزاحم من حولها النساء تفك صرتها وتراقص ودعها وتعزف على جروح المنكوبين ، لم يحدث قط أنها أرجعت النقود لأحد ، لكنها أرجعت لي النقود وخبرتني أخبار شائكة .... حدثتني عن الأم المريضة ولم تحدثني عن بنت الخال ،سفر الأم ليس الآن كما خبرتني اللعينة السوداء . قال لي الدكتور أن المرض يعمر في جسدها خمس سنوات على الأقل يمكنك خلالها أن تحملها خارج الوطن هناك فقط يمكن علاجها لأن المرض يمشي ببطء كالساعة ولكنه يعض في جسدها الهزيل بأنيابه.... لم يكن لي أن أتخيل ان يغزو جسدها مرض مثل هذا وهي المتمردة على الحياة تظل ترمقني وأنا أنظر لزينب تتقدم بخطاها الثقيلة وتخطفها من أمامي ويذهبا سويا لشئون البيت.

لا يدري كيف تقاذفت الكلمات من بين فكيه ليصب في أذن السائق حكايته تابعه السائق في البداية ولكن رأسه التي يرعى فيها النعاس أخذت تتثاقل بين الحين والحين..... لذة طاغية يجدها في استرخاء جسده وتفكك أجزاء

                                           6

أحضر السائق من عالمه الآخر من حيث لا يسكن شيء صورة أولاده وزوجته بملابسهم البيضاء الزاهية يلوحون له في منتصف الطريق، ابتسامته الأثيرية يرسلها إليهم في لهفة ، تحلل السائق من جسده وتحول إلى طائر يطير تحول إلى لا شيء وتراخت يديه المقبوضة  على القيادة لم تعد تضيره المخبيات في غيب الطريق ، استغل الأتوبيس غفلة السائق وتدحرج بين الممرات ......صاح في السائق.....أفاق عندما بلغ الأتوبيس المنحدر وراقص عجلة القيادة ، انزلق من على القمة تراقص في الهواء ثم غاص في أعماق البحر  مبتغيا الصدف  واللآلئ والشعاب المرجانية   مسكنا له .

 لماذا تسافر إلى البلاد لتحجبك عنا؟ا

لا أعرف يا زينب ولكن كل ما أعرفه أني لابد أن أسافر.

"وأنا أحبه يا عمة وأبكي لأنه يغيب"

لملمت ودعها ووضعته في صرتها ،وضعت الصرة فوق رأسها ورجعت )

ظلت زينب معتكفة تحت أقدام الأم كما اعتكف المرض بين ضلوعها ......

.............................................................................................

قصة (عرس وداد)

هذه السياج قد تواري خلفها الظل ،ووشوشة الرياح التي تهب من أجناب السماء تراقص أعواد الذرة الطرية  وكأن جسد غريب يشق أحشاءها ، منذ شرك الشمس لأحضان الجبل في الصباح وهذا الغراب الأسود يحوم حول البيت ونعيقه يتواتر إلى أذنيه ، يتتبعه في السماء فيراه ثابت الجناحين منحدرا إلى أسفل لا يكاد يقترب منه حتى يتماوج مندفعا إلى أعلى  ويتصعد ثانية مخترقا الفضاء  شاقا لأحضان السماء ....... هب الصغير إلى الصخور يرمق الكائنات المارقة من حوله تمدد فوق حبيبات الرمل وأسبل عينيه ضاجعته كوابيس المنسوج في الغيب، من الحقول إلى البيت رائحة اعتاد شمها ،يستبيح السير المقيد برائحة التقاليد لا يضيره الانتساب إلى تلك القرية الملعونة  ، اعتاد التعالي والنظر إلى السماء فلم يعد يرى في البراري الصعاليك.....هزته الجدة لأنه مرر (موس الحلاقة )على شاربه فالشارب من شيم الرجال ،سقته من النبع وساقته على أطرافه إلى حيث آبار التقاليد المظلمة  ،لا يجيد الحوار مع الأب الجاف الهائج.

 بالعيون الوقحة الحمراء المتورمة تحت الجفنين  يأخذ الأمر وبالعيون أيضا يعاتب ، ما اعتاد الكلام معه....

 المدرسة ميثاق لابد من المرور عليه ولكن بالأحذية ،فالعلم يذيب الخشونة من الرجال ويبتر الهيبة......هكذا حدثته الجدة.

 2

 عاد ذات مساء موثوق بكتبه وكراساته يشد أزر نفسه الحالمة بالمدى والهروب من سياط القيود ، كان البيت مكتظا بالمنتسبين إلى آدم ، رجال ونساء تجهمت وجوههم وإرتسمت عليها علامات من أزيز الذكريات ،ألقى الكتب وألقى السلام ......لم يجب أحد.

 عاد إلى الأريكة الملتصقة بالجدار وجلس ،لمح شارب أبيه يتراقص فوق شفتيه وعمامته قد انحدرت إلى أسفل ،قدم له السلاح...... رائحة البارود التي ما اعتاد شمها إخترقت أحشائه نفضه من على الأريكة وزام في صيرورة وجهه الباقية منذ دخوله فابتلى الوجه بالدماء التي ظهرت من أسفل الجلد محتقنة بالشرايين على وتيرة الاستعداد للنزول ،بالبارود ينتفض الرجال وتخمد وساوس الحلم عند الصعاليك ......قالها الأب المشرئب بالذهول ،بالأمس تجرد صعلوك على كسر حجر من الأحجار التي أسسناها ....رفع الحاجب فلا بد من الطمس،نفض حاجبه ،تزايد الغباء في العقل البكر.....هز الأب يده وطرقها على فخذه ،ثم أشار بأصبعه صوب صدر الابن ....ابن مخيمر (الملَحَد)تجرأ وتقدم لوداد سته،عاد وجلس على أريكته مستأثرا الهدوء،

 قال الصغير

 وبالطبع رفضت............

 قال الأب

 وهل يكفي الرفض لغسل العار، سيزيد الهمس على بنت الأشراف والإسكات يكون بهذا ولوح بيده الممسكة بالسلاح ،عند الغروب يمر خلف جاموسته يرافقه غروره تطمس أنت الغرور وترفع سعر وداد.

 نظر الصغير  إلى( وداد) الغارقة في دموعها ومن حولها المترملات يندبن في بهو جنائزي معتم،لم يجرؤ أن يسألها لماذا تسترد من أحزانها النواح ،ترى هذه الدموع عليه أم على تجرؤه المشين ، دخلت الجدة بوجهها المتعقرب الضامر هزت الأريكة بفخذها اليابسة الممشوطة بالعروق فتساقطت الكتب وانسكب عليها الماء.....أمسكت بيدها ياقة قميصه وشدتها.....ما دمت ترتدي هذا القميص فصورتك ستظل مهرأة بين الرجال ،يريد الانتساب إلى أسياده وأنت سوف تنسبه إلى عذرائيل وفي مسحة من الوهج الأعمى تسلق إلى العقل البكر ثراء الانتساب إلى الأفضلية ،هزه الصياح الطافح من عمق الأب وهزيمة المبادئ الوليدة في عقله المتصابي وهو يرنو إلى ضجيج البارود الساخن.

 3

 أمام سياج الذرة التي هزها النسيم يمط رقبته على الطريق ليصنع للزوجة الآتية من أسفل الجبل مأمن للعودة ،هذه المرة أصرت على أن يؤمن لها الطريق بنفسه غالبه النعاس تحت تأثير نسمات الهواء الطرية (فغفا) بين أعواد الذرة الحبلى بقناديلها تبعث نشوة في صدره وطراوة بين ضلوعه ،أراح رأسه بين الأعواد المنتصبة.....جاءه (مخيمر)ملثم الوجه وعيناه تزرفان حمرة معجونة بسهر الليالي التي انتظرها ليخمد نار صدره ويريح ابنه المتوقد في قبره ،يتحرك في خطى بطيئة هادئة....والجسد الرخو ملصوق بالأرض أبطلته إطلالته الهائجة سحب "شاله" الملثم به ولفه حول رقبته ،أخذ يرفس تحته و (مخيمر) يبرك على صدره ضاغطا بشاله على رقبته..... ارتحلت بقع السواد من العيون القلقة وعم بطن العين بياض باهت ،ازداد (مخيمر) في ضغطه وهو يقهقه ويسحب من أعماقه صورة ابنه السابحة في الدماء وأظافر الجاموسة تضغط على بطنه فزعة من دوي الرصاص وهي تجري بغير اهتداء ،نفضه من فوق صدره وهب مفزوعا.....

 كان كابوسا قد طالعه وهو  في حراسة شياطين الوادي المرهون بأعقاب الجبل  نظر حوله وهو يلف يده حول رقبته يتحسس موقع الخنق ،هب واقفا وأمسك صهوة حصانه وتسلقه ثم انطلق إلى الجبل مخلفا الغبار الناتج عن ارتطام حوافر الحصان بالتراب.

.............................................................................................

 قصة ( انتظار الحلم )

منذ أن عرفته وأنا لم أعهد منه هذا الحنين ...... ولكن هذا الصباح الابتسامة لم تفارق ثغره .... يتقافز كالفراشة،يعيد تشكيل الفرحة التي غابت عنه كثيرا ،يتحسس زوايا الحجرة يزيل خيوط العنكبوت العالقة بها ....... أدهشني حينما تقدم وعرض عليَ المساعدة ....تهاوت ساعات النهار كما تهاوت فرحته المفاجأة . صوت خافت من خلف الباب يأتي ،جرجرت جسدي وفتحت الباب .....وجه عهدناه من قبل ...تصافحنا وجلس الضيف وعلى وجهه إيحاءات مبهمة .....أنحدر بصاحبي ناحية الباب تتراقص شفاهنا بحديث يود أن يجعله سرا ...لم يسرقا من الوقت كثيرا ثم عادا ...انخرط صاحبي من بيجامته القرمزية ثم حواه لباسه الأبيض.استشف قلقي ..ابتسم ابتسامة دافئة وصافحني وكأنه يودعني وتدحرج على السلالم يرافقه الضيف واندفعا إلى الطريق المعبد .

 لم يكتفي بمصافحتي أخذ يلوح بيده لاويا عنقه تجاه النافذة التي أطل منها ...بادلته الطقوس حتى ذاب بين أكتاف المارة ،ظللت منكفئ على النافذة ..بدأت الشوارع تفقد روادها إلا من القطط والكلاب الضالة وهي تمزق صناديق القمامة بحثا عن الفتات....تمر في أفواج وكأنهم حراس الليل الموحش.. أغلقت كل النوافذ ،....صراخ طفل انفلت من أحد المنازل نجحت الأم في أن تخرسه ،ضمته إلى صدرها ودفست حلمة ثديها في فمه فابتلعه ثم ابتلعه سكون الليل ...يمر أحد حراس الليل وهو يحدق نافذتي المضيئة انتصب تحتها قالت عيونه كثيرا ولكن لسانه لم يقل شيئا انزلقت سيقانه على الممر حتى وصل إلى صاحبه انحنى إليه  ودس في أذنه كلمات لم أسمعها ولكنى قد أكون فهمتها ،نظر الاثنان (ناحيتي) وابتسما ثم انصرفا....... لقد غاب كثيرا وتأخر عن موعده .......صوت المذياع يبعث الأمان في زوايا الحجرة كان عبد الحليم يتهادى ......يا مالكا قلبي ......دفعت بيدي لتخرس هذا الصندوق السحري فتدحرجت أصابعي صوب زر الموجات فارتطمت به  وحركته كان عبد الحليم أيضا ....حاول تفتكرني ......أخيرا نجحت في أن اخرس المذياع شخصت ببصري صحن السماء

 بومه داكنة تخترق أغشية الفضاء حطت على أحد المآذن ثم عاودت النحيب،من بعيد شيء ما يتماوج في الظلام مجموعة من الهياكل المتحركة يرتدون زيا وكأنه اقتطع من أقمشة الليل الأسود لم ألمح إلا وجوههم وأجسادهم مختلطة بظلام الممر .... تسلقت سيقانهم السوداء منحيات السلم ..... انتصب اثنان على الباب أحدهما منتفخ البطن يقطن على وجهه شارب كث ،توارت باقي الأجساد داخل الحجرة يحملانه القياه على المنضدة ،ثم تدحرجوا وتسلقوا حافلتهم العارية التي كانت تنتظرهم على رأس الشارع .... دفعة من الدخان تقيأت بها الحافلة قبل الانطلاق ، دفعت بنفسي إلى حيث الجسد الممدد ،سرسوب من الدماء سال من جبهة صاحبي ،دماء دافئة تنضح من بين أسنانه .... بقع خضراء وحمراء مغروسة في وجهه الأصفر ،جلبابه الممزق يسرد تفاصيل ما حدث .

 حفر الدم في الوسادة أخدود أحمر ....دفنت يدي في جيبي وأخرجت منديل أبيض لأنتزع الدم من جبهته وشفتيه نظرت إلى وجهه فرأيت أن هناك شئ انتزع منه ولن يعود للأبد.

.............................................................................................

قصة ( راقصات مع الريح)

لم يعد للخريف حفيف بعد أن تجلطت نائبته على حافة القرية فأدبر يسعى ثم ذهب يتمطى على شغف الصحاري يهزوا الربيع.... يا له من أريج لم تتبدد ملامح كرم النخيل بعد، بعد مئات الأعوام يصمد أمام عجرفة السنين ..... ذهب من زرعوه وهو يحتضن أنفاسهم يحاكم السنين التي أهدرتهم..... يا إلهي ضيعة خضراء معلقة في السماء تراقصها الرياح وتدنو منها وساوس الغزل .... هذا أفضل ما كتب في الربيع في نظري أنا المدرس وهذا ما أفضل شرحه للتلاميذ. النخيل يا زمزم النخيل وفقط في قريتنا النخيل يا ربيع قد تمرد على فصوله، لا أدري إن كان قد خالطني الحوار أم الإحساس بهذا النداء ولكن كل ما أتذكره أن شفتاي ظلتا منطبقتين ولم ينفرجا  وأنا أسعى بين دروبه ألتقط الثمر المنفلت من الشماريخ الذي يشبهني أنا المنفلت من أغلال القرية التي لا أدري كيف انزرعت  فيها أنا الغريب عنها،كل صباح أحمل كراساتي وأذهب إلى المدرسة التي قيدوني فيها أظل أمشي حتى تدمي قدماي من طول الطريق، بجدارها المتشققة المتآكلة، الجدران على بعضها في إعياء شديد، وأبواب الفصول مسندة في عناد وإصرار على البقاء. ألفى بنا يأس داخل الفصل، تطالعني وجوه التلاميذ الممسكة على البؤس ومتقوقع داخلها الطموح، في مؤخرة الفصل تلميذتان ملتصقتان بالجدار، (زمزم) التلميذة الشقية التي تبحث عن حل تقف من بين التلاميذ تسأل أسئلة لا يفهمها التلاميذ ولكني أفهمها، وقفت ذات مرة....."لماذا يا أستاذ تسافرون ولا نسافر؟..... لماذا لا تسمعوا لنا؟..." تحسست ساعتها عنقي براحة يدي وانكفأت رأسي مجذوبة للأرض "إجلسي يا (زمزم)" جلست وفي عيونها أسئلة كثيرة....تجالسها (دعاء) المتأهبة دائما للترحال تحلم بعالم لا تسمع فيه صوت زوج أمها، تحلم بعالم يسألها عن صحتها، ضيقها.... ألصقت ظهري على نخلة عجوز منحنية وعيناي تتأملان الثمر العالق في الأعالي في تعالي وكبرياء.....حفيف أجساد يطارد أذني، همسات أسمعها "صباح الخير يا أستاذ" قالتها (زمزم) وهي تلتقط الثمر على الأرض "لماذا يا أستاذ تعدو لنا المقابر؟.... يا أستاذ أود أن أدس كلمة في أذنك " انحنيت في إذعان متداعيا الخنوع لتلك الشقية الصغيرة فقبلتني، كانت شفاها ساخنة طرية تركت بعض الرضاب على خدي"والنبي يا أستاذ لا تردنا إليهم" قالتها في تودد ثم جرت فجأة إلى نخلة عالية وتسلقتها....صحت بها "انزلي يا (زمزم) المغيب يا (زمزم)" هرولت (دعاء) واحتضنت جذع النخلة التي تتسلقها (زمزم) خشية مكر الرياح تلاعب ثوبها في الهواء وتطاير الحزام الذي يحوي خصرها، أخذت تراقصها الرياح، تجردت (دعاء) هي الأخرى من لفحتها وأحدقت في وجهي جرت إلي واحتضنتني ثم قبلت خدي وانخرطت عيناها بالدموع وعلى شفتيها أريج الفرح، عادت وتسلقت النخلة وصعدت بجوار (زمزم) تراقصهما الرياح التي تعوي وتطيح بهما في الأعالي ترنح سقف السماء وتراشقت العصافير وراحت ترفرف بأجنحتها تزف الصغيرتين المتوجتين...... توهجت القرية المظلمة ولمعت طوابق المآذن لتذيب الظلمة المعتلية أنفاس القرية. صوت المؤذن يخرج من جوف القرية يعلن عن فقد القرية للصغيرتين، ثم هتف في بوق القرية "إن لله وإنا إليه راجعون".

.............................................................................................

قصة ( الصورة القادمة)

العربة تزحف في الظلام تتوجع  من بقايا الليل العليل، تترنح بين المدقات تراقص جسده الموبوء  بالعلل.... على باب القرية توقف السائق وحملق له خلال المرآة، حمل جسده خارج العربة وأخرج من جيبه حزمة نقود سردها بسرعة وأعطى السائق بعض منها تلقف السائق الأجرة وانطلق دون أن يتكلم، حمل حقيبته راكبا ساقيه إلى جوف القرية ونسمات هواء الليل الطرية تدغدغ جسده تمر من بين أذنيه وصدره  ، على ضوء القمر يرى ظله يرافقه دون تردد اختفى ظله حينما اختفى القمر بين سرب من الضباب الأسود......الليل الذي ابتليت به القرية أجبر الناس على الزحف داخل البيوت، في البيوت تدور الحواديت وأحاديث الليل الدافئة تقترب القلوب وتختلج.

 تذكر أن الشارع لا زال طويلا ولا بد أن يعيد ترتيب سيره.... تمرق منه الذاكرة فيتذكر حديث الجدة وهو يسند رأسه على فخذها وتلاعب أصابعها في رأسه، في هذه الطريق يخرج رجل وجهه كسواد الليل وأصابعه كحوافر الخيل  يمسك الأتي في ذيل الليل ويمسك الأطفال الصغار يوهمهم بأنه لا يعرف الطريق حتى يصل بهم للطاحونة وهناك يلقيهم  بين التروس.... لا يعرفون من أين أتى الرجل يسمونه (حمار الليل) لأنه يحملهم على ظهره، "أوعى يا (خميس) تطلع بالليل عشان ميخدكاش (حمار الليل) ويرميك في الطاحونة"  يسمع الصغير الحواديت من الجدة فيقشعر بدنه فيصر في نومه أن يحشو جسده بين الأجساد حتى لا يأخذه الرجل ويلقيه بين التروس......آفاق على  صوت الطاحونة البعيد الغادي يدق نغما حزينا مخيفا، ارتسمت في ذهنه ملامح (بلال) عامل الطاحونة بملامحه الزنجية السوداء وعينيه الحمراء مغموس في الدقيق الذي يكسو وجهه ويديه.... يخرج خميس مع أمه عند الأصيل وهي تحمل فوق رأسها (قفة) يمسك طرف ملاءتها إلى الطاحونة، تدس في يد (بلال) النقود فيبتسم ويومأ برأسه ثم يطرق براحة يده المنتفخة قمع الطاحونة ليزيد لها الكيل.   واصل سيره بين همس الليل يأتيه وقع قدميه الظامئة إلى إلى أحضان  فارقها كارها...... بانت له ملامح الحارة الناعسة  المستكينة، كلب أسود يرقد وسط الطريق يريح رأسه بين ذراعيه المبسوطتين، رآه قادم زام زوم مكتوم ثم راقص ذيله ولم يجهد نفسه بالوقوف...... على يمينه وتحت ضوء مصباح هزيل يرشق شعاعه المريض إلى مسافات متواضعة تبرك عربة وبجوارها حصان موثوق يطيح بذيله في الهواء (ينفر) برقبته حتى يتطاير الرزاز  من أنفه الوارمة،ثم يدفس فمه في مخول التبن أمامه، اشرأبت أذناه عندما رآه قادما من بعيد...تذكر انه كان يتعلق بمؤخرة العربة وهو صغير ثم يعدو على قدميه، كثيرا ما نهره العم (بدر) وأمسك بيده وسلمه لأمه التي أشبعته ضربا..... صوت الطاحونة ثقيل على أذنيه، وقعها يثير في نفسه شيء من شقاوات الصبا، نظر إلى الشرفات المعلقة وهي تناطح بعضها تطيح بها الرياح فتحدث صريرا خافتا، أطلت من النافذة فتاة حال الظلام دون استدراك ملامحها محررة الشعر، أفلتت من نعاسها استردت رأسها واختفت ثم عادت وبين يديها وعاء به ماء سكبته من النافذة ثم أوصدت الشباك. أحس بأن الحارة تنجذب إليه تطوي شوارعها السجينة وبيوتها الهزيلة وتتقدم ، اقترب من البيوت المتلاصقة غير المنتظمة ، رجال خرجوا من البيوت المثقوبة وفي ذيولهم خرجت النساء هاتكات ستر الليل، يدخلوا بيتا يرسو على ناصية الشارع، خرج صبي صغير من البيت يجري اختفى على امتداد الشارع ثم عاد وبين يديه يحمل شيء يبدو أنه مهم، من أسر المتسللين في رحم الليل خرج من أحد كوات البيوت طفل أشعث الشعر يحمل بين ضلوعه بقايا من دفء الفراش وفي حركة يخالطها النوم باليقظة تسرب بين النساء الواقفات وأمسك بمؤخرة أمه وبعيونه المنكسرة من آثار النوم يبرق في الواقفين في فضول...... "أحس خميس بأن جسده الكبير بدأ يتآكل ويتقوقع) ليتذكر أن الحارة كانت مكتظة بالأطفال يروق لهم اللعب على ضوء القمر فتيات وأطفال يبتدعون ألعابا هم نسجوها وهو يرمقهم من بعيد وصدره يصك بالصراخ....أفاق ليكتشف انه لا يزال يسير بلا شعور ود لو يضحك...... فتساقطت عيناه بالدموع أفاق على الحقيبة وهي تجذبه إلى أسفل امسكها بيده الأخرى   رأى أمه تخرج معكوفة الرأس والبصر تداخلت عيناها كعيون الوطاويط الضيقة وهرولت ثم وقفت أمام البيت الموبوء بالناس ألقت برأسها داخل البيت ثم سحبتها وطرقت بيديها على صدرها في حسرة، خرج أبيه من البيت يسحب خلفه حمار تحامل على رقبته وصعد على ظهر الحمار ، مشت نحوه يبدو أنها حدثته بما رأت، هز رأسه في زهد واستعطاف زم شفتيه....وقف ينظر إلى الأبوين غالبه الشوق فبكى...شدة الحنين... ساقاه العاصيتان تجرانه إليهم فجأة توقف...... أحس أنه يتعجل اللقاء ويخل بشروط الوهم النابتة في الظلام.... واصل السير لمحه العجوز من على حماره فلم تخن الأب أحاسيسه...... شيئا ما يجذبه إلى الظل القادم من رماد الظلام  شيئا ما يجذبه إلى هذا الغريب الذي يشق حرمة الليل، لاحقته الأم بالنظر غالبها البكاء فبكت  وقالت لأبيه مثله كان بيننا ولكن غالبه البؤس فهجر القرية، بعث إليهم شعاعا من بصره ثم واصل السير..... تحركت في رأسه مقاطع من أغنية قديمة أغنية لا يعرف حروفها ولكن يشديه وقع لحنها الحزين، اغرورقت عيناه بالدموع ود لو يرتمي بين أحضانهما  وهو يحس بحماس اللحن الخفي ...بدأت تتكاثر في رأسه أماني الحلم القديم، من أحد البيوت خرج من كان ينتظره وطال انتظاره رفع شيء ثقيل بين يديه وضغط بإصرار خرجت الأنوار الحمراء تتلاحق استقرت بين ضلوعه  لتضيء قلبا قتله الحنين، ضغط على صدره سائل دافئ يخرج منه....... تلاحقت الدماء وتدحرجت تحت أقدام الأبوين  لترسم لهم صورته القادمة

.............................................................................................

قصة ( مصابيح الليل المضيئة ) غنيت لك ....... فلمن أغنى

 ترانيم عشق  تتوه فيها الصبايا وجدائل نحاسية تتدلى على خاسرات  الصغار في أيام العيد الآتية تكتسح الوجوه نبرات الأفراح المقبلة .. وأنت تتلقفين الليالي بامتعاض داخلك يرحل الوطن يتركك تتأوهين الفراق و تختطفي من بين أحضان المرضعات  في الليالي الأولى للأسر يتعمق جرحك ويزيد نزف الشرايين بقلبك  فيصيح المنادى بين الأزقة والحواري قلب بلا شرايين ولا أوردة يدق التراتيل  ويضخ الحب الذي يأتيه من أطراف الحزن .. يا له من زمن المعجزات.. هذا الرحيل القصرى من بين أحضان المزارع والغيطان وعصافير تغرد القهر والحرمان وجداول تنهض بحبيبات الماء العكر الممزوج بنكبات الأمهات وخرير ماء من شرايين غار جرحها بين الصخور  وأنت تصرخين بين أحضان الراحلين  وتلوحين بأكفك إلى أحضان مشلولة ومقهورة لا تقوى على الوقوف تنظرين إلى جاحد يغوص بأعماق معوله في جذور الأشجار لا يبالى نزيفها أو هجر العصافير لأوكار تهدمت من رعشة أشجار تحتضر، تحتضنين عازفك على سفوح الماء وهو يدنو بخياله بين أعماق القطرات والبنات حافيات من حولك تراقصن على الأغنيات  تأتيك دوى استغاثات الرابضين على حدود العشق لوطن منبوذ تلاشت ملامحه من ذاكرتك الراكدة ، هناك نبتت طفولتك وصباك وتورمت أنوثتك بين حوافر الجبال وصخور المرج تغنى، ومكعبات الماء الصدئة، وحفر غائرة في الأرض مليئة بالماء ..  تشبعت قدماك بحبيبات الرمل الطرية المثلجة تصنعين بيوتا بالرمل الممزوج بحبيبات المطر ، وفى المساء بعد رحيل الشمس تهب على السراديب سحابات الظلام تتقرفصين على فتحة الباب بجوار العجوز التي أنهكتها الذكريات تحصين المارة من الرواد  تثنيك الاختباء خلف الرموش الناعسة  ولا يكفيك إبحار عينيك خلف كعوب العشاق تبحثين عن وطن هجر عشاقه وربما عشاقه هجروه وأنت تبكي همس الساهرات  التائهات وحينما يشتد وقع الظلام تنهضين تاركة محرابك المقدس وتقفين خلف نافذتك مطفئة الأنوار تلمحيه بثوبه الممزق الذي يكشف الصدر الملوث بالشعر والصراخ وإله الخصب يتجول بأحشائك يطرق الأماكن ويبيع الأطفال للمتلهفات ، وكلبه باسط ذراعيه بجواره يلاعب بحوافره أطراف انفه التي أرهقها زحف الكائنات  تلمحيه يصيح تحت أعمدة الشوارع المضيئة يهزوا ألا لعنة الله على الذكريات  ومن وهم المدى يصنع بين يديه أوراقا وأقلاما ودفاتر يسقط التوقيعات  تلمحيه بثوبه الممزق  فيلتهب داخلك الحرمان وأنت تريه يفرك الشعر الغائر برأسه  يبتسم ويحاكى أقوام نسجهم من خياله هزك الصقيع الذي يلفه ودوى البرق في السماء وأنت تلمحين أعمدة سريرك وقد شاخت من الانتظار تروعك السماء وهى تحتضن السحابات وهدير رعد يأتي من سفح الجبال وأمطار تغازل براعم الزهور العطشى برزاز الندى ، وهو يسرد الشوارع والحارات يرتاد المقاهي يعكر صفو المهمومين يسكب المقاهي ويكسر النرجيلة ويسبح في الماء  يتتبعه الصغار بالأغاني والأحجار  وأنت تصرخين في الحضور  شأنه كان عظيم بيننا  ولكنه تاه في حدود العشق  وحينما يرهقه السعي بين الدروب حافي القدمين كثيف اللحى تمتطيه مخلفات الشوارع والحواري وهو يأبى الاغتسال  لا يروق له الاسترخاء  إلا بعمود النور الرابض تحت نافذتك تحيره الذكريات لقد أخبرك الناس انه كثيرا ما يسرد حكما ونصائح ويعشقه الأطفال  وأحيانا تسكنه رزانة وكبرياء ولكن حينما يهيم بذاكرته، يهيج وتوجعه الخطى ،فيطرق اعتقال لسانه  يهرول بين الأزقة والحواري وكلبه لا يفارقه يخبر الناس انك صناعته وحدود ملكه الممتد حتى غروب الشمس   تهتز من فوقه السماء  بقطراتها  فتمتزج  بالتراب يتمرغ  فيها هو وكلبه  تغريه رائحة المطر الممزوجة بالطين  وأنت تصرخين بالبكاء من خلف نافذتك  حتى يتشبع جسده فيقصف الشوارع وتغنى خلفه الأطفال يزيد الخطى  تقصفه المسافات فيتلاشى كأعمدة الدخان المتسربة  في المدى يشجيه وقع قدميه وصدى صوته المرتد للفراغ   يتعقب وطنا كان له فيه قصة وسجال

.............................................................................................

قصة ( المرآة ) عصر النبوءات

كيف داست أقدامه كل هذه المسافات ، وتلطخت خفوفه بهذا الوحل .. يفلت بصره على مداه ..... تتمدد الشوارع أمامه فلا يبلغ نهايات المدى ، يرجع بصباه إلى   صبا ه  يتوهج داخله عابث صغير ،فليس للصبا إلا الشوارع والمقاهي والترحال ....فى ذاكرته  لحن يدمي القلوب ،ففي القلوب تسكن كل المسافات وتتسع ..و.. وتتوه الطموحات..... ركل الباب بركبته فانفلت المزلاج ،انفلق مسجي على الأرض ؛صاح بصوت يهز الفراغات من حوله ليذكر النيام بملامح القادم ،كالعادة لم يجبه أحد ، سارع الخطوات للداخل يكرر الصياح ويصفق بكفين مغتربتين ، لاذ بصوت يستأذنه بالدخول .. كان جسده مسحوبا للداخل ومن خلفه الباب موارب ... رآها ملفوفة بالسواد مكومَة على السرير ، تعطي خدَها للتلفاز ، تتأمل الشقوق التي تفلق الجدار وهي تسحب خيوط من أشعة الشمس تستدرجها داخل غرفتها تفقَد الوجوم الذي يرعى على حوافر وجهها لاذ بالسكوت ، جلس على الكرسي ينتظر الأمر بالكلام يفتش في أحشاءه عن لغة يبدأ بها حواره ،لم يدري كم حرف تبقَى بداخله حاول تركيب الحروف ،لم يأتي بجملة واحدة مفيدة آثر الصمت ،وهو يتأمل إطار التلفاز ازداد وجومها ،أخذ يحصي الأجساد الملتصقة بها يبحث عن وجه يلقي عليه أحماله ويسترد منه دقات قلبه التي سلبت ..لم يجدها بين كل هذه المخلوقات ......يرتع في أذنيه صرير الباب الذي ينبَأ بالقادم ،تململت بين شفتيه ابتسامة  تستقبل القادم وهى مسترخية في ذهول ، أنزل ساقه التي تركض فوق الأخرى يتأهب لاستقباله ، أزيز حذاء القادم يؤكد نبوءته ،اختصر المسافات داخل عقله حتى رآه واقفا أمامه ،أشاح له بيده وتجاهله مخترقا السكون حتى لاذ بالسرير تمدد عليه ساندا صدغه على راحة يده يتأمل الجدار، مسح الوجوه مرة أخرى تأفف ورفع رأسه إلى السماء محاولا اختراق السقف ببصره ،هب واقفا تيقن أنها موجودة بأعلى ..تحسس السلم بخفين حانيين يسترق الخطوات لأعلى حتى وقف أمام الباب الذي يقبض على الجدران التي تحويها ،يتوجع من عروقه التي شاخت وساقيه التي تخلت عن عزمها ،يسترق الأنفاس من هواء غرفتها رآها من ظهرها وهي تنتصب أمام المرآة وفي يدها كتاب عن (عشق الإغريق )وبالأخرى ماشطة تمشط بها شعرها الذي يتدلى حتى مؤخرتها تتناثر منه رائحة الزيت التي تحاصر الغرفة ،رأى الشقوق تملأ المرآة  الملتصقة بالحائط ، تحول وجهها إلى انشطارات متعرجة .....حاول استجماع الملامح المبعثرة والمرآة تتمدد على طول الجدار ،يعقد جبهته في ذهول وهو يسمع دوي صراخها ، ترتج أقفاص صدرها من طرقات قلبها النافر بين الضلوع ،تباعدت المسافات بين الشقوق ، اخترقت المرآة وهي تمد له يدها ....... تراجع خطوات للخلف حتى اصطدم بالسرير ....مدد جسده في ذهول ساندا صدغه على راحة يده يتأمل الجدار.

.............................................................................................

قصة ( همس الصغار)

ورث أبى جبروت جدي وشدته لم أره يضحك قط ولم أره يسر إلى أمي بحديث كان يستهويه أهانتها وضربها أمامنا والغريب أنى لم أرى أمي يوما تشكوا أو تتمرد أو تتمتم مع نفسها لا اعرف أين اخوالى وجدي من أمي ولم أرها يوما خرجت تزور أهلها الذين لا اعرفهم كنت اكره أبى واكره تجبره وتسلطه علينا هذا الطاغية الذي لم يشعرنا يوما بحنان الأبوة

 ا

عقل جمله وصاح بصوته الشيطاني هرولت له من داخل الخيمة وناولته الإبريق سكبه على الأرض ومن أكوام التراب حوله اخذ يعجن الطين  ويكوره ويبلط به ظهر الجمل غرس مخيطه تحت جلد الجمل حتى نفذ من الجهة الأخرى التقطه وجرجره إلى أعلى  توغل خيط المخيط المصنوع من الكتان بين عروق الجمل ليصنع ثقوبا مفتوحة من جلد الجمل  اخذت الثقوب  تنزف دما اصفر بفعل ذهاب وإياب الخيط  لوي الجمل  عنقه وكاد أن يلتهم ذراعه من شدة الألم تجاهله وتركه ينزف

 2

 خرج الصغير من داخل الخيمة ونشر ذراعيه في الهواء يعبئ صدره من نسيم الغروب استنشق دفعة وملئ بها صدره  تسمر حينما رآه يعجن الطين تلون وجهه وتعقربت حواجبه تفاداه دون أن يلقى عليه السلام غاظه ما فعله ابنه فصاح ثانية هرولت من داخل الخيمة تجاهه صفعها وقال لها أملئ الإبريق يا نحس نظر الابن إلى أبيه متجهما دون أن يعلق بكلمة  صاح الأب غاير فين لم يجبه ونظر إليه بحنق أكمل الأب روح الله لا يرجعك أشاح الابن بيده في قرف وتأفف بكلمات ساخطة ثم ولاه وأدبر في سيره

 3

 إمام القبر برك على ركبتيه واخذ يبكى ويحثث قامة القبر ويمسح بها وجهه يدقق النظر في الثقوب لعله يراها تواتر نزيف عينيه وهو يلمح الشمس الذهبية تتأهب للاختباء خلف الجبل نظر إلى أبيه البارك فوق الجمل  بدا صغيرا جدا لا يكاد يراه من طول المسافات التي قطعها للوصول للقبر  عاود النظر إلى قبر أخته يتذكر ضحكاتها وكلام الطبيب له كانت تخاف من أبيها وترتعش إذا رأته فعقيدته أن البنات خطيئة وباب للعار يجب غلقه  والسلامة منها هو قبرها وهى  تتسلل في غيابه مع الصغار تلعب وقبل موعد عودته تعود حتى لا يراها وذات يوم وهو عائد من مدرسته  رآها تلعب على جرف الترعة هرولت إليه واحتضنته وهى تترجاه ألا يخبر أبيها ابتسم وقبلها وأعطاها حلواه وحذرها ألا تتأخر كانت تحبه وكثيرا ما بعثرت كتبه وأضاعت بعضها تحب أن تتعمق في خصوصياته كان ينهرها برفق وكانت تحتضنه وهى نائمة وان غافلها وانصرف من جوارها استيقظت تبكى  وذات يوم لمحها تتوكأ على عصا وإذا حضر أبيها تخفيها وتتجبر على نفسها وتتظاهر بأنها لا تعانى من شئ اقترب أخيها منها لما رآها تتحامل على ساقها وتوكز على رجلها  رأته وبكت وترجته أن لا يخبر أبيها رفع ساقها ولما كشف سروالها وجد الساق خضراء بلون العشب الذي يحضره أبيه للجمل تفحص بطن رجلها وجد ثقب ينزف صديد برنزي اللون تغيرت ملامح وجهه وزادت دقات قلبه واحتضنها فأخبرته بأنها كانت تلعب مع الصغار عند الترعة فانغرس في قدمها مسمار  أخرجوه لها بصعوبة وخافت أن تخبر احد فيخبر أبيها فيضربها

4

حملها إلى الطبيب الذي نصحه بسرعة التوجه إلى المستشفى وهناك ثار الأطباء على إهمالهم لها بصعوبة اقنع الطبيب أنهم لا يعلمون بحالها وما أصابها  أصر الطبيب على احتجازها بالمستشفى مما استوجب عليه أن يخبر أبيه الذي ثار وصفع أمه التي حذرها من اختلاط البنت بالأولاد وانه حذرها ألا تخرج من البيت حاول إقناعه بأن حالة أخته خطيرة لم يعنيه هذا بقدر ما يعنيه أنهم كسروا كلامه رافقه إلى المستشفى ثم إلى غرفة أخته التي رأته وتيبست في مكانها بصق عليها ثم افرد إصبعه تجاه صدرها ووكزها   متوعدها بعقاب لم ترى مثله ثم انصرف ولم يأتي لزيارتها ثانية واخذ يكيل للأم أقصى الألفاظ على تكسيرها كلامه ذهب الصغير إلى المستشفى فوجد الطبيب واجم الوجه محتقن العينين وهذا هو قناع مصطنع تعود ارتدائه  إذا أراد أن يخبر أهل المريض بشئ لا يسرهم انحنى إليه مقتربا من أذنه وهمس له بكلمات أتت على ما في جوفه فجعلته زلزالا مصحوبا ببركان يفور في جوفه حتى سمع كركبة بطنه  هرول إلى الحمام ثم خرج ولا زالت سياط كلمات الطبيب تكربج قلبه الذي نصحه بمرافقتها إلى البيت لتستريح ويعفيه من إجراءات استخراج التصاريح والتشريح والتحقيق  أيقن أن أخته في نهاية رحلتها انسكب على الأرض يبكى ويلطم خديه أفاق على تجمع الناس من حوله يتصعبونه ويشفقون عليه استجمع قوته المزيفة ودخل عليها سارقا ابتسامة حزينة الصقها على شفتيه وجدها على السرير مقرفصة رأته ابتسمت وأفردت ذراعيها وارتمت بين أحضانه  وهى تقبله أخبرته بأنها جائعة إغرورقت عيناه  لم يرى عليها أعراض المرض الذي ينخر في أحشائها ويلتهم عظامها بفعل المسكنات التي تبتلعها  وكأنها تعافت احتضنها ثانية وأخبرها بأنه سيرافقها إلى البيت ليأكلا سويا  ورمق الطبيب بعينه الذي هز برأسه مواسيه ومشجعه كتب الطبيب تصريح الخروج وأعطاه له حملها على كتفه وهو يشعر بحنين إليها وغربة انغمس فيها واخذ يعتصرها ويضمها إلى قلبه وهى على أكتافه تتكلم بطلاقة وحيوية  وبأناملها تحسس على أذنه وتداعبه وهو يضحك قالت له لن اذهب إلى اللعب ثانية ولن أخالف أمر أبى ولن اذهب إلى الترعة مع الصغار بشرط أن تعطيني حلواك عند عودتك من المدرسة  تقاطرت عيناه بالدموع

5

 وجد أبيه يقف أمامه خارج المستشفى بنبوته وعمامته المكومة فوق رأسه  رأته فقبضت على رقبة أخيها وغمضت عيناها حتى لا تراه  وألصقت خدها بخده وهمست له في أذنه هل أخبرته بشئ لا تخبره حتى لا يضربني ولن العب ثانية ربت على كتفها وهدأ من روعها وطمأنها بأنه لم يخبره بشئ صاح الأب ( خلاص المنزوعة دى تروح يا دكتور ) لم يجبه الطبيب ونظر إليه باحتقان وانصرف  وفى الطريق شعر أن الحمل الذي على أكتافه بدأ بتثاقل ويهوى به إلى أسفل نظر إليها فوق كتفه تحسس وجنتيها وجدها ساخنتين وسرعان ما دبت البرودة في جسدها سال رحيقها الدافئ على خده وسقطت رأسها المنتصبة على كتفه حتى  تثاقلت ذراعيها وارتخت أعضاءها وانغمست في نوم عميق لم تفق منه أبدا

6

 أفاق على كلبه وهو يلاعب ذيله وينحني أمامه باسطا ذراعيه  متوسدا رضاه أومأ للكلب ثم ابتسم اقترب الكلب منه موحيا له بالانصراف بعد أن غلف الفضاء من حوله عتمة خفيفة توحي بظلام قاحل رافق كلبه إلى الخيمة فوجد أباه على حاله والجمل ملقى على الأرض بغير حراك والأب يحفر له حفرة لدفنه تجاهله ودخل الخيمة يرافقه كلبه وجد أمه تحصى ( هدوم الصغيرة وترتبها في صندوقها وهى تبكى جلس بجوارها يبكى اخذ الأب خارج الخيمة يصيح  بعد أن سقط في الحفرة التي حفرها للجمل والجمل بارك بحثته فوقه  يطبق على أنفاسه ولكن لم يجبه احد

.............................................................................................

قصة ( عم رجب بياع تحرير)

ليس لعم رجب طموح ولا يعرف معنى الأحلام عاش حياته لا يشعر به احد ،ولا يشعر هو بأحد، ضاقت به الدنيا التي تخصصت منذ نشأته في نكده وكدره، منذ نعومة أظافره بقريته التي لا يسمع عنها احد، والمحصنة بالتهميش والفقر الذي غرقت فيه لم يتذكر يوما أن أبناءه قاموا ذات صباح وغسلوا وجوههم أو كان لهم أحذية للخروج يستيقظ قبل صلاة الفجر يجهز عربته ويحمل فوقها الفطائر يجوب شوارع القرية ذهابا وإيابا وهو يتغنى بفطائره وينشد فيها شعرا ، قليلون هم من يشترون منه وغالبا ما يكونوا أبناء الأثرياء والغنى في قرية عم رجب هو من يمتلك بيتا (بني بالاسمنت والطوب الأحمر ) وأمام بيته موتوسيكل أو عربة من الموديلات المنقرضة ،يرجع بعد أن تتورم قدماه، والعربة كما هي محملة بالفطائر، قرر عم رجب السفر إلى القاهرة فهناك يستطيع أن يبيع كل فطائره هكذا حدثه حجاج العاصمة والمناوبين عليها هناك الأثرياء كثر، شد رحاله وأولاده وزوجته واستقر به الحال في حي شعبي لم يكن أحسن حالا من قريته المنسية ،فلم يتحسن معه الحال كثيرا ولم يجد الجنة التي وعده بها معتمرى العاصمة قرر الرجوع ولكنه خاف من غمز ولمز أهل القرية عليه فأثر البقاء والمقاومة اخذ يتحثث أماكن مرور الناس والتجمعات البشرية يروج لفطائره هو لا يعرف معنى الوقوف في الممنوع أو مزاولة النشاط بدون بطاقة صحية فتتبعته عربات الشرطة ومجلس المدينة تطارده ثم يقتادوه إلى قسم الشرطة لا يخرج منه إلا بعد أن يتورم عنقه من ضرب الكفوف بأيدي أمناء الشرطة والعساكر وتتطاير فطائره في الشوارع تدوسها العربات وأقدام المارة ورغم كل ما حدث اخذ يقاوم ويتتبع أماكن التجمعات ليبيع فطائره وكان قد اكتسب خبرة في المناورة من عربات الشرطة أحيانا كثيرة كانت تخونه ذاكرته فيضل الطريق إلى بيته فيظل يجوب الشوارع فلا يصل إلا إذا سأل احد المارة عن العنوان الذي يضعه في جيبه وذات يوم وهو يتجول كعادته لمح جموع غفيرة وهرج ومرج وأجساد بشرية تتوافد وتتزاحم وهى تصيح وتولول قبض براحة يديه على أعمدة العربة وهو يراقب الناس فزغرد قلبه وانفرجت أساريره يبدوا أن اليوم يوم عيد له تمنى لو أن على العربة أطنان من الفطائر لتستوعب مبيعاته تلك الأعداد الغفيرة والتي لو جزم أن يشترى نصفهم لاحتاج الأمر إلى( مخبز آلي) ودون أن يدرى اندفع بين الجموع يروج لفطائره والتي انتهى من بيعها بسرعة البرق وعاد إلى البيت ليعلن حالة الطوارئ فالكل يجب أن يعمل وبلا حدود واخذ يحمل عربته ويذهب إلى تلك التجمعات في اليوم أربع وخمس مرات يبيع كل ما لديه قرر ألا يضيع وقته في الذهاب والعودة وعليه استثمار هذا الوقت في البيع، فاستقر على أن لا يبرح المكان، ويأتي له أولاده بما يحتاج من الفطائر قبل أن تنتهي من فوق سطع العربة لأول مرة يجد نفسه يضحك من قلبه فقد امتلئ جيبه بالنقود ، يقترب منه احد الشباب ليشترى منه فيسأله عم رجب عن هذا المكان فأخبره الشاب انه ( ميدان التحرير ) سأله عن تجمع الشباب ولماذا يبيتون فأخبره الشاب بأهوال يوم القيامة بالنسبة له فاحمر وجهه وارتعدت أساريره وتبخرت فرحته وتشنجت عروقه اخذ ينتفض وترتعش أنامله حتى صار غير قادر على الإمساك بالعربة تذكر عنقه المنتفخة والمحمرة بفعل أيادي أقسام الشرطة تذكر غرفة الحجز والتوبيخ والإهانةة من ضابط القسم والعربة المكسرة والفطائر المتناثرة على الأرض هو الذي عاش عمرا يسجد للنظام وأعوانه والذين يتشعبون إلى حدود الجنين في بطن أمه المرة الوحيدة التي تجرأ فيها واشتكى ( خفير قريته ) جاءته الشرطة ليلا وكسرت محتويات بيته وقبض عليه وأودع في الحجز أسبوعا كاملا ولم تعتق رقبته إلا بعد مساعي أهل الخير لدى الخفير وإرضاءه والاعتذار له وتقبيل يديه وقدميه ليصفح عنه هو الآن يرى هؤلاء الصبية المجانين يناطحون السحاب ليغرسوا في وحل المطر وطين الأرض نهايتهم و أنهم محظوظون لأنه لم يكن عندهم خفر يذيقهم لعنة الآلهة. فكر أن يفر هاربا تاركا عربته ومنتجه الذي لاقى رواجا بعد كساد فكر في العدو وعدم الالتفات إلى الوراء تاركا خلفه حمم وبراكين ولعنة سوف يمطرها النظام على هؤلاء الأشقياء وربما يتطور الأمر ويستدعوا الخفر المتناثرة بربوع القرى لمح احد الشباب يضحك وهو يلوك فطيرته ويقسمها مع فتاة ترتدي ملابس هي بالنسبة له ولعقيدته القروية فسق وفجور فاقترب منه ووبخه على ضحكه وعدم مبالاته بالطوفان القادم وأمره هو والفتاه أن ينفد بجلد ولا يحسر عليه أهله الذين لاقوا معاناة السعي فى الشوارع ربما يبيعون فطائر أو كتب وكراسات أخذه الشاب إلى احد الخيام ليرى الأطفال والنساء والشيوخ تحت سقفها فتعجب حينما اخبره أن هذه هي أسرته وكل يوم يأكلون من فطائره .. لمح شاب آخر تقرفص يغنى جلس بجواره يستنير منه فاخبره أن هذا خير عمل يقوم به وانه ترك دراسته حتى يفرغ من هذا العمل وحدثه عن النظام والفساد والمحسوبية والرشوة والقهر والاستعباد شعر عم رجب أن الشاب كان يقصده بهذا الحديث انتفض من جواره خشية أن يخبره بأسرار بيته والتي هي بالنسبة له من المحرمات، أثار الشاب مشاعره وأحس انه صغير أمام كرامته التي أريقت طوال عمره اخذ يناغى نفسه وهو في طريقه إلى عربته يتسرب اليه بعض الحماس فاصطدم بها وقد أفرغت من أحمالها ووجد بعض النقود متناثرة عليها جمعها وعدها فوجدها مساوية لما على العربة من فطائر بل أكثر ضحك وحمد الله بعد أن استردت حمرة وجهه الدماء الهاربة فزعا على الفطائر ، فقد كان كل من لا يجده على العربة يأخذ فطيرته ويترك ثمنها لمح جمع من الشباب يقتربون منه في قلق وهلع عن سبب غيبته وقد ظنوا به مكروه وأنهم كانوا قلقين عليه زاد ذهوله، أول مرة يجد من يسأل عنه ويقلقه غيابه شعر عم رجب بالدفء والحنين لعائلته الجديدة وفجأة كثر الكر والفر وطلقات الرصاص تدوي في الميدان حمد الله انه باع كل فطائره اخذ ينتفض وهو يرى الدماء المراقة وشباب في عمر الزهور مسجاة على الأرض، وجدهم يتدافعون على الموت وكل لحظة يرجعون وبين أيديهم وردة في ربيع عمرها مغتسلة بالدماء الوردي ورائحته الذكية إنه يشم رائحة الدماء الذكية رأى زجاجات الملوتوف تتطاير بألسنة اللهب تصب فوق رؤؤس الشباب وهم لا يبالون كثر الكر والفرو تعالت الصيحات والهتافات ولا زالت الجموع تتوافد بدلا من أن تهرب من (قانص الموت وحاصد الأعمار )التي تأتى بها أسطح المنازل والأقبية المجاورة للمكان تناثرت الجثث والأشلاء من حوله انهمرت الدماء من تحت قدميه شباب في عمر الزهور يقصفهم ملك الموت بلا رحمة شعر بأنه تافه فقد حاصره الخوف والفقر والتهميش ملك الموت يطوف بالميدان وزهور بريئة تفتح صدورها له ولا تهابه رأى الخيول والبغال والجمال تخترق صدور الشباب وتجتز الرؤؤس تيقن انه لم يقدم لدنياه شئ ولا يريد أن يرجع إلى الآخرة خاوي اليدين وضع يده في جيبه واخرج النقود وأعطاها لأحد الأطباء بالميدان وأوصاه أن يوصلها لأهله إن لم يرجع إليه ثم اندفع بين الصفوف تحت أعقاب الخيل وخفوف الجمال يقتنص ويضرب ويصيح( فليسقط الخفير فليسقط النظام ) ...فليسقط النظام كلمة سمعها على مر الأيام التي قضاها بالتحرير ولم يستطع أن ينطقها فمخزون الخوف عنده اقوي من نبرات صوته، أحاط خصره بأطراف جلبابه وهو يقفز على منتعلي الخيل والإبل أبحر بين الجموع إبحارا لا مدى له وطريق العودة فيه غير آمن زاد في الإبحار بدأ يبهت ويتآكل بين الملايين وهو يصيح ( فليسقط الخفير ) فليسقط النظام اختلط صوته بصوت الثوار فذاب فيهم ارتمى بين صدور وحناجر الشباب حتى راق دمه المعبأ بالحزن واليأس منذ ستون عاما على ارض الميدان ليفرغ ما به من جبن وخوف ، سرى دمه تحت أقدام المنتفضين تدفعهم وتثيرهم وتلهب صدورهم حماسا فاغرق دمه شرايين الشباب دماء تطهرت من الرق والخوف ولم يدرى أن صورته علقت وسط الميدان باسم الشهيد (عم رجب بياع) ليصرف أولاده معاش الشهيد ويختم حياته بمخزونها الردئ بطلا غفلت عنه الأقدار ثم أنصفته

.............................................................................................

قصة (الصورة القادمة)

العربة تزحف في الظلام تتوجع  من بقايا الليل العليل، تترنح بين المدقات تراقص جسده الموبوء  بالعلل.... على باب القرية توقف السائق وحملق له خلال المرآة، حمل جسده خارج العربة وأخرج من جيبه حزمة نقود سردها بسرعة وأعطى السائق بعض منها تلقف السائق الأجرة وانطلق دون أن يتكلم، حمل حقيبته راكبا ساقيه إلى جوف القرية ونسمات هواء الليل الطرية تدغدغ جسده تمر من بين أذنيه وصدره  ، على ضوء القمر يرى ظله يرافقه دون تردد اختفى ظله حينما اختفى القمر بين سرب من الضباب الأسود......الليل الذي ابتليت به القرية أجبر الناس على الزحف داخل البيوت، في البيوت تدور الحواديت وأحاديث الليل الدافئة تقترب القلوب وتختلج.

 تذكر أن الشارع لا زال طويلا ولا بد أن يعيد ترتيب سيره.... تمرق منه الذاكرة فيتذكر حديث الجدة وهو يسند رأسه على فخذها وتلاعب أصابعها في رأسه، في هذه الطريق يخرج رجل وجهه كسواد الليل وأصابعه كحوافر الخيل  يمسك الأتي في ذيل الليل ويمسك الأطفال الصغار يوهمهم بأنه لا يعرف الطريق حتى يصل بهم للطاحونة وهناك يلقيهم  بين التروس.... لا يعرفون من أين أتى الرجل يسمونه (حمار الليل) لأنه يحملهم على ظهره، "أوعى يا (خميس) تطلع بالليل عشان ميخدكاش (حمار الليل) ويرميك في الطاحونة"  يسمع الصغير الحواديت من الجدة فيقشعر بدنه فيصر في نومه أن يحشو جسده بين الأجساد حتى لا يأخذه الرجل ويلقيه بين التروس......آفاق على  صوت الطاحونة البعيد الغادي يدق نغما حزينا مخيفا، ارتسمت في ذهنه ملامح (بلال) عامل الطاحونة بملامحه الزنجية السوداء وعينيه الحمراء مغموس في الدقيق الذي يكسو وجهه ويديه.... يخرج خميس مع أمه عند الأصيل وهي تحمل فوق رأسها (قفة) يمسك طرف ملاءتها إلى الطاحونة، تدس في يد (بلال) النقود فيبتسم ويومأ برأسه ثم يطرق براحة يده المنتفخة قمع الطاحونة ليزيد لها الكيل.   واصل سيره بين همس الليل يأتيه وقع قدميه الظامئة إلى إلى أحضان  فارقها كارها...... بانت له ملامح الحارة الناعسة  المستكينة، كلب أسود يرقد وسط الطريق يريح رأسه بين ذراعيه المبسوطتين، رآه قادم زام زوم مكتوم ثم راقص ذيله ولم يجهد نفسه بالوقوف...... على يمينه وتحت ضوء مصباح هزيل يرشق شعاعه المريض إلى مسافات متواضعة تبرك عربة وبجوارها حصان موثوق يطيح بذيله في الهواء (ينفر) برقبته حتى يتطاير الرزاز  من أنفه الوارمة،ثم يدفس فمه في مخول التبن أمامه، اشرأبت أذناه عندما رآه قادما من بعيد...تذكر انه كان يتعلق بمؤخرة العربة وهو صغير ثم يعدو على قدميه، كثيرا ما نهره العم (بدر) وأمسك بيده وسلمه لأمه التي أشبعته ضربا..... صوت الطاحونة ثقيل على أذنيه، وقعها يثير في نفسه شيء من شقاوات الصبا، نظر إلى الشرفات المعلقة وهي تناطح بعضها تطيح بها الرياح فتحدث صريرا خافتا، أطلت من النافذة فتاة حال الظلام دون استدراك ملامحها محررة الشعر، أفلتت من نعاسها استردت رأسها واختفت ثم عادت وبين يديها وعاء به ماء سكبته من النافذة ثم أوصدت الشباك. أحس بأن الحارة تنجذب إليه تطوي شوارعها السجينة وبيوتها الهزيلة وتتقدم ، اقترب من البيوت المتلاصقة غير المنتظمة ، رجال خرجوا من البيوت المثقوبة وفي ذيولهم خرجت النساء هاتكات ستر الليل، يدخلوا بيتا يرسو على ناصية الشارع، خرج صبي صغير من البيت يجري اختفى على امتداد الشارع ثم عاد وبين يديه يحمل شيء يبدو أنه مهم، من أسر المتسللين في رحم الليل خرج من أحد كوات البيوت طفل أشعث الشعر يحمل بين ضلوعه بقايا من دفء الفراش وفي حركة يخالطها النوم باليقظة تسرب بين النساء الواقفات وأمسك بمؤخرة أمه وبعيونه المنكسرة من آثار النوم يبرق في الواقفين في فضول...... "أحس خميس بأن جسده الكبير بدأ يتآكل ويتقوقع) ليتذكر أن الحارة كانت مكتظة بالأطفال يروق لهم اللعب على ضوء القمر فتيات وأطفال يبتدعون ألعابا هم نسجوها وهو يرمقهم من بعيد وصدره يصك بالصراخ....أفاق ليكتشف انه لا يزال يسير بلا شعور ود لو يضحك...... فتساقطت عيناه بالدموع أفاق على الحقيبة وهي تجذبه إلى أسفل امسكها بيده الأخرى   رأى أمه تخرج معكوفة الرأس والبصر تداخلت عيناها كعيون الوطاويط الضيقة وهرولت ثم وقفت أمام البيت الموبوء بالناس ألقت برأسها داخل البيت ثم سحبتها وطرقت بيديها على صدرها في حسرة، خرج أبيه من البيت يسحب خلفه حمار تحامل على رقبته وصعد على ظهر الحمار ، مشت نحوه يبدو أنها حدثته بما رأت، هز رأسه في زهد واستعطاف زم شفتيه....وقف ينظر إلى الأبوين غالبه الشوق فبكى...شدة الحنين... ساقاه العاصيتان تجرانه إليهم فجأة توقف...... أحس أنه يتعجل اللقاء ويخل بشروط الوهم النابتة في الظلام.... واصل السير لمحه العجوز من على حماره فلم تخن الأب أحاسيسه...... شيئا ما يجذبه إلى الظل القادم من رماد الظلام  شيئا ما يجذبه إلى هذا الغريب الذي يشق حرمة الليل، لاحقته الأم بالنظر غالبها البكاء فبكت  وقالت لأبيه مثله كان بيننا ولكن غالبه البؤس فهجر القرية، بعث إليهم شعاعا من بصره ثم واصل السير..... تحركت في رأسه مقاطع من أغنية قديمة أغنية لا يعرف حروفها ولكن يشديه وقع لحنها الحزين، اغرورقت عيناه بالدموع ود لو يرتمي بين أحضانهما  وهو يحس بحماس اللحن الخفي ...بدأت تتكاثر في رأسه أماني الحلم القديم، من أحد البيوت خرج من كان ينتظره وطال انتظاره رفع شيء ثقيل بين يديه وضغط بإصرار خرجت الأنوار الحمراء تتلاحق استقرت بين ضلوعه  لتضيء قلبا قتله الحنين، ضغط على صدره سائل دافئ يخرج منه....... تلاحقت الدماء وتدحرجت تحت أقدام الأبوين  لترسم لهم صورته القادمة

.............................................................................................

قصة (تأوهات إمرأة) ذريبة شملول

انطلقت كالسيل تركض خلفه...أشاحت بذراعيها لتضيق عليه عبوره من الحارة الضيقة... مددت ذراعيها في الهواء وانحنت تقتنصه مرق من بين فخذيها بسبب ساقيها المنفرجين لكن تعثر في ثوبه وتكوم خلفها فتكومت فوقه، أطبقت بأسنانها على كتفه، أخذ يصرخ وهو يشيح بذراعه محاولا الخلاص منها، هوت بيديها على صدغه ثم كدمته بين ضلوعه رفسته بعرقوبها بين فخذيه، أخذ يسعل ويبصق دما من حلقه...عانقها متوسلا.. أمسكت بياقته وجرجرته خلفها..جاءت بأخته الصغيرة ووضعتها في حجرة واختلسته بنظر محذرة أنيتركها ويذهب ليلعب....

أشعلت الوابور ووضعت فوقه الإبريق، تركته ودخلت خصها وحجرها مملوء بحبوب الذرة تملأ فمها بالحب ثم تفتح بأناملها منقار البط وتنفث في فمه بالحب حتى تنتفخ صدوره ثم تكرر ذلك بالماء... تتحثث صدر البط وتقليه داخل الخص.. دفس ذكر البط منقاره بين نهديها كان منقاره باردا أحست بقشعريرة تسري في جسدها تمنت لو بقي بمنقاره مدة أطول لكنه انتزع منقاره ودفسه في حجرها المملوء بالحب، مرق ذكر البط من حجرها خلف بطة كان يطاردها أخذ يعدو خلفها وهو يبح.... كانت الأخرى تبح وكأنها تستغيث من فحولته توارت منه أسفل (العشه) أخذ يمط عنقه يمينا ويسارا باحثا عنها ، سرعان ما أدركها فهرول خلفها وتسلقها وهي مسترخية تحته، أخذ بمنقاره يضغط على رأسها أرقدت خدها على راحة يدها تتأمل....،وضعت يدها بين شق نهديها وأخرجت زجاجة حقن (بنسلين) مملوءة بالكحل ومررت المرواد بين جفنيها أرجعت الزجاجة الي مرقدها، وأخرجت قطعة مرآة صغيرة ونظرت إلى عينيها المكحلتين وإلى شفتيها الغليظتين فأطبقت عليهما وأسبلت عينيها، تسلل خارج البيت مغافلا وجودها في الخص... أسلم ساقه للريح حتى وصل إلى الترعة رأوه الصغار خلعوا ملابسهم وتراشقت أجسادهم في الماء تجرد هو الآخر من ملابسه وهو ببدنه في الماء غاص طويلا ثم خرج ووجهه مغمور بالطين لاصطدامه بقاع الترعة رج وجهه بالماء تحثث بدن صاحبه الطري المبلل ثم حواه بين ذراعيه ألصق البطن بالظهر وأخذ يتراقص تجلجل ضحكاتهم الماء انفلت ثانية ثم غاص في الماء و غاصوا خلفه....... أخذ البخار يتصاعد من الإبريق وسرعان مايتلاشى أثر امتزاجه بهواء السقيفة الطري وصفير يخرج من أجناب غطاء الإبريق المتراقص...

أخذت تحبو تحاملت الصغيرة بذراعيها على ركبتيها محاولة الوقوف تطاولت يدها على الإبريق فانسكب انكفأ الوابور على أجنابه وأخذ يقطر الجاز من محبسه تحول إلى كتلة نار ملتهبة...صرخت الصغيرة... هرولت من خصها تطاير الحب من حجرها، كما تطاير البط من الخص، سكبت الماء على الوابور بصعوبة أطفأت النار.... عادت تبحث عن صغيرها ظنت أنه يختبئ في ذريبة شملول قذفت الباب بساقيها حتى وصلت إلى (الشونه) المملوءة بالتبن....  شملول يقبض بأسنانه على طرف الجوال وبيده يمسك الطرف الآخر وباليد الأخرى يزيح التبن في حلق الجوال المظلم، رمق الكحل في عينيها.. تذكرت الكحل والمرآة الصغيرة بين نهديها.. تذكرت ذكر البط سقط الجوال من يديه قذف باب الشونة بمؤخرة قدمه..عتمة حلت بالمكان لا تكاد تبصر لكنها تحس بهدير أنفاسه اللاهثة.. ركض أشياء تتكسر.. عنف.. بعد لحظات خرج يلهث وخرجت تتصبب من العرق.... تحاملت بثقلها على الطبلية.... شبت فوقها ومدت يديها في جوف (الجرة) المعلقة في منتصف السقيفة وأخرجت السكين وهرولت إلى الخص.. نظرت الى ذكر البط .. دماء كلون الشمس المريضة عند الغروب... أخذ يتقافز رغم انفصال رأسه عن جسده... غرست السكين في الدم المتراشق على الأرض فانطرح ساكنا، ثم انحدرت إلى البطة أخذت تركض بقدميها ضغطت بفخذيها على صدر البطة وأمسكت رقبتها ومررت السكين، ودت لو تذبح كل كائنات الدار قذفت السكين فوق الخص كما قذفتها في (الطشت) وأخذت تنتف ريشها.. أخرجت المرآة من صدرها ونظرت إلى وجهها آثار أنياب في رقبتها وتلطخ وجهها بالكحل الممزوج بالدموع ودت لو تنفجر بالبكاء...دخل يتسلل بثوبه المبلول رآها تحوي (الطشت) بين فخذيها التصق بالحائط ونظر إليها بعينين نادمتين، ابتسمت بمرارة أسرع وارتمى بين ضلوعها انفجرت بالبكاء وهي تدفن وجهها في رأس ابنها المبللة بالماء الممزوج برائحة السمك والطحالب.

.............................................................................................

قصة ( كئوس فارغة )

أنا مش بب
كى منك ... أنا ببكى عليك

أنا مش خايف منك ... أنا خايف عليك

امسُك تاه بين زحمة الترهلات تبنى لنفسك قصر من لحم المقربين والحُرمات وترحل ذاكرتك الى حيث ثغور الأوجاع لم يكن لك حُلما تحلمه ولم تكن لك شواطئ للهيام امسُك جاء قريبا ولم يعد رحيلك يدمى الأوجاع  بأي قسوة تدوس أقدامك الأرحام مكابد حقد ترعى فيها طموحاتك تتمدد على طاولة ليست من صنيعك وتغرد على قيثارة ليست بيمينك وتجعر بصوت يزعج التغريد  لم تكن لك أحلام كنت احلم لك وانسج لك خيوط  النجاة من نسيجها وأبنى قصور مجدك التي هدمتها يالك من كائن فاق كل التوقعات تتوسد الوداعة وبين عينيك مقاحى التماسيح   ومخالب الضباع أتذكر يوما كنت فيه تترجل الزراعات تجمع العشب لحيوانات ضامرة وبين أعواد القصب تستجمع ذاكرتك المتساقطة كحبيبات العرق تتصبب من جبينك بين وهج الأعواد  ولا يرهقك عويل الذئاب وشطئان أقنية الماء الضيقة تلتف حولك  والغوص فى الطحالب لتستجمع سميكات أتذكر قضبان السكك واللعب بالمسامير والأحجار والصياح حينما تخطفك رياح القطارات المارة على القضبان  ومزامير صوتها والتسلق بمؤخرتها والبحث في المخلفات عن بقايا كنوز أهملها الركاب  وبطون تصرخ من وديان خاوية تملأ أحيانا بالماء  وربما التسكع على موائد الجيران أو أجراس أفراح تدوي على مسافات وجنائز تنصُب عزائها على جثث الراحلين   وبين عمال التراحيل ترفع أحمالك فتقطرك العربات الصدئة  وتتوه بين قسوة المدن سنوات  وترجع خالي الوفاض أتذكر الرحيل إلى مدن الساحرات والنساء عاريات وعلى المقاهي تتردد الأغنيات   تحدق عينيك  بالمارة ويرتجف قلبك من وقع المصابيح المضيئة وصخب الرواد وترجع إلى مثواك تنتظر مواسم يطفح فيها السمك من بقايا الماء فيتوجع من  حبيباته الساخنة ويطفوا ويتقافز على حاشية الشواطئ  وتنتظر انحسار ماء المصارف والترع فتغوص بين الطحالب تستجمع سميكات إغرورقت روحها من ضيق الأعماق   وعند  الغروب ترتحل ناصية الشوارع منتظرا مرور القطارات ممنيا نفسك بالرحيل الى مدن الساحرات تروى الحكايات أنك كنت سيد الجبال تغرس أنيابك في الجرحى من ضحاياك ولا تسكب دمعا لنزيف الدماء وربما انك دابة تعيش على فتات الأسياد وانك حمولة زائدة في ركب المسافرات هكذا تتناقض فيك الروايات   وها قد جاء يوم الحصاد حصاد زرع أمهلته حتى خلبت أشواكه  كنت احمل عنك الأيام وإلهيك فوق جراحي وأعينك على الأقدار وأنت تسبح بين ضفاف جفوني وهدير الدمع والمقاحى  وتسدل دفؤك من ستائر رموشي حتى بلغ القلب المصاب وأنا الذي حملتك على أكتافي  تهرسني الدوامات وبأقدام حافية تغازلها مخاطي الأشواك وقد أرداني قدري بين واديك تستهوينى لعنة الأقدار وذئاب تعوى من فوق سنون الجبال وتثير أنيابها ويهطل رحيق لعابها لوليمة تائهة بين محراب الرمال  لقد بلغ صوتي مداه استبح عطف القلوب  قلوب كان لي فيها ملك وسلطان  يطرق الرعب عندي نافذات أوصدت من هدير البكاء ونساء لملمت أطفالها الملقاة على الحواري وألقتها خلف الجدران ومن على المقاهي تسرب الرواد وخلت الشوارع والحارات والنتوءات  إلا من عوى الذئاب وأنت قابع خلف جدرانك تصم أذانك وتستهوى المرح مع الصغار من فجر ذاك اليوم سأكتب تاريخي  تاريخ يطفح بالذات والأنا والإيثار سأسرد تاريخ عشته ورعا بمحراب المثل والتضحيات ستكون فيه بقايا من ذاكرة أسدلت وتاريخ عصى عن التصفح لأكتب تاريخ فيه الدماء عصائر الشتاء والدموع ماء ورد للاغتسال والآهات مرتع لهو للصغار

.............................................................................................

قصة ( الحصاد)

مرق من باحة المنضرة .. لاويا سحنته المليئة بالتجاعيد ، تجاهل أخيه المقرفص تحت الحائط  دافنا عيونه في أعماق الأرض ، وقد إستحوذت عليه الهموم فتثاقلت رأسه رفع حاجبه كاسرا عينيه تجاه أخيه المارق أمامه ، تمتم ثم أمسك بعود الثقاب وأخذ يخط في الأرض التي إفترشها  ، صرخ ينادي أخته الصغرى التي انكمشت تحت الجدار وسحبت المقطف لتتوارى من طلعته.

    -أين أمك؟

تعثرت بجلبابها الطويل الفضفاض وهى تهرول نحوه مرعوبة  وترنحت الكلمات  من فمها فتساقطت متقطعة لتطفئ وجومه:

   -عند الكرم. كرم النخيل

اندفع متدحرجا للشارع متجاهلا أخيه مرة أخرى الذي تعثرت خطواته تجاه               أخته واحتضنها، أربت عليها وعيونه شاردة...... ثم عاد متقرفصا تحت حائطه

أخذ الصغير  يشق الأرض ويقصف سنابل القمح الطرية فيدوسها بقدميه لتصنع خلفه ممر غير مألوف ، طالعه كرم النخيل تتراقص عيدانه عالية غير آبهة بجبروته  ،أبطئ خطاه وتذكر أن  هنا ولدت أحلامه وهنا ماتت ، الكل يموت وهذا الكرم صامد يتوارث الأجيال ، قال له جده أنه لم يعاصر من زرعوه ، نتعاقب على خيره ولم يطلب خيرا من أحدا ،هنا ولدت نرجسيته وتمددت ولكنها أيضا شاخت وربما رحلت ، ترى لو حفر تحت جذوعه  لوجد بقايا من كراساته و أقلامه و أحلامه أيضا وبعض من خطاباته التي كان يدفنها لمحبوبته .......

لمح أمه تتربع تحت (فروخ) النخيل الصغيرة وتصنع منها ظلا يحميها من وطأة الشمس الحارقة ملفوفة في ملاءتها السوداء تخط بالنوى تلاعبه في الهواء ثم تكومه ،تعاود الخط مرة أخرى ثم تقبِل النواة المحمولة وتتمتم (خير اللهم اجعله خير) و تفرك عينيها بطرف طرحتها رافعة حاجبيها وكأن غشاوة حالت بينها وبين قراءة المكتوب ، وقف يتأملها ثم نظر إلى أبيه الذي تلاشت صحته وبرزت عظامه ، ، رآه يلف حبله المصنوع من ( ليف النخيل ) حول خصره وآخر يقبض عليه بفمه الفارغ الأجوف وهو يحزم الجريد والسعف ،لم ترتج مشاعر الصغير  لما رآه ، وقف فوق رأس أمه يستجمع قواه ليخبرها......انحنى الأب و حوي بساعديه حزم الجريد حاول رفعها على ظهره فانكفأ على الأرض انغرست شوكة في راحة يده صرخ محدقا بصره الضائع تجاه ابنه الذى لم يعره  انتباها ولكن أوجعه الصراخ الواقع على أطبال أذنيه :

-         أنا ماشي........

ثم رجع تاركا خلفه أرتال من الحزن على وجوه الأبوين تقاطرت عيون أمه بالدموع وهى تحاول الوقوف فتكومت وتمرغ وجهها فى التراب  وأخذت تولول بصوت عالي (قالوا بنيه تهد الدار عليه وقالوا وليد وسع البيت )غابت طلعته عليهم وتورم الحنين بين عروق الأب و انطفأت شموع لم يرى نورها ......

 كانت مسبحة العمر سريعة ،غابت عن الابن رضوض أخبارهم وتلوت سبل الوصال ، حتى شاخت ذكرياته واندست بين ضلوعه شيخوخة ما وعيها ،فتبلط رأسه بالشعر الأبيض وانتفخت شرايين وجهه ويديه .....انكفأ على الموقد يشعل النار ،هاج داخله الحنين وانفلقت حباته فأنبتت داخل قلبه سنابل وأزهار ، ارتعد جسده الهزيل وهو ينفث حمما من فمه الفارغ وهو يتأوه ....وزوجته تتقرفص بجواره تتحسس بيدها موضع (الكنكه) على الموقد ،تزحف على مؤخرتها بعد أن تورمت ساقيها من قسوة المرض . لم يعد يملكان إلا هذا الوحيد النافق في الأرض ،يحفر القبور للموتى  ليطعم العاجزين ،نظر إلى شعرها المجعد النافر وعراقيبها النحيلة ...وصاح فيها ...نفق العمر وما وجلت رضاهم ، دك ساعديه المرتعدة بالأرض هاما بالوقوف ليستدرك أن له أبوين تركهما في رعونة شبابه

.تلاعبت الرياح بجسده الواهن فتراقص في الهواء وتلعثم بجلبابه وهوى على الموقد فأوقد الجمر خده وهو لا يقوى على الوقوف ،اخذ يرفس من لسع النار  صرخ يستغيث بوحيده النافق في الأرض ،نظر الابن من الحفرة التي حالت بينه وبين أبيه ، فشب على أطرافه ليراه ملقى على الموقد والنار تشوي خده ،انسلخ من الحفرة ونفض يديه من غبار مشبع برائحة الموتى.

انحنى والتقط جلبابه واندس فيه ثم نظر إليهم ،تأفف وبصق على الأرض وارتجل دربا من ذهب فيه لا يأتي أبدا..........

.............................................................................................

قصة ( البيت القديم)

إهداء

قبل أن يموت جدي قال  لي أن لك رب واحد وان لك قلب واحد وان لك عمر واحد وان لك قبر واحد ونسى أن يقول لي وان لك وطن واحد

ومن يومها وأنا ابحث عن وطني

..................................................................

ثمة أشياء قد تبعثرت في البيت القديم ، الذي يشرف على كل النواصي ونوافذه المفتوحة بكل الاتجاهات ، أتذكر آخر مرة دخلت البيت وقد تهالكت أبوابه وتعلقت خيوط العنكبوت بسقوفه الخشبية ذات اللون البرنزي واتخذت الخفافيش من أجنابه أعشاش ومراقد تمرق من حجرة إلى أخرى كالبرق لا أراها وصورة جدي الوحيدة اللاصقة بالجدار عند المدخل تلوح بيدها ترحيبا بالقادم ..... لم تفزعه وحشة المكان كما أفزعتني، أذكر طيف جدي الباهت في ذاكرتي ونحن صغار......ما أكثر الأجساد التي كان يؤويها هذا البيت ويحتويها جدي بين ذراعيه ،نتقافز حول المائدة كنت أعجز عن إحصاء الأيادي الممدودة تتلقف الخبز بشغف وضحك وجدي يشمر ساعديه ‘يغرس يده في (القصعة) تخرج مملوءة باللحم، يمد يده للمقرفصين .....يبدأ باليمين يزعق بصوت عالي (بسم الله الرحمن الرحيم) أبدا لم يرى أو ينظر لمن يعطيه وبعد أن ينتهي بصوت هادئ حنون يخاطبنا: "حد طلع من غير نايب"

أصرخ بصوت عالي منتفخ بخبث الأطفال "أنا يا جدي والله لم آخذ"

يضحك ويقتطع من نصيبه المتبقي وهو قليل ويعطيني ضاحكا فرحا يغمز لي فهو يعرف أنه أعطاني......

وبعد أن ننتهي نحن الصغار وبدون غسل أيدينا نهرول بين غرف البيت القديم ، نختلق الألعاب ونتشاجر فى اللعب ثم نتصافح وهو يتابعنا بعيونه القرمزية من على أريكته ،يسحب أنفاس (سيجارته) التي لم تفارق أنامله........ أحيانا كثيرة كان يفزع من على أريكته إذا احتدم الشجار بيننا و كثيرة كنا نختلق الشجار كما نختلق الألعاب ليشاركنا بأنفاسه وصوته الدافئ.

يوم وفاته وارته جدتي بعباءته ،حاولت غلق عينيه المارقتين خارج  الباب من شراعة البيت، لم تخبرنا بشيء ونحن نلعب حوله وهو ممدد على أريكته دون حراك لم يشاركنا في شيء هذه المرة  ..... تسارعت خطواتي كالعادة تجاه أريكته صرخت جدتي في وجهي "دعه نائم..." لم تخبرنا حتى أرسلت إلى أعمامي وأخوالي المنتشرين في الحقول الغربية.

هالنا ما فعله أبى  عندما برك على ركبتيه يقبل قدم جدي ويديه وعيناه نازفتان بالدموع..... ساعتها أغلق عينيه وارتخت جميع أعضاء جسده الطري البارد.ومرت السنين ترتع في أجسادنا زمنا فلم يعد الصغار صغارا 0000

حملت زوجتي وأولادي إلى آخى الذي لم تراوده نفسه لزيارتي، كنت أحبه لأنه يشبه جدي في لون عينيه وهدوء طباعه ،قضينا طيلة النهار بداره المتواضعة الذليلة، نفترش أمام البيت نراقب الصغار وهم يلعبون ،يسرد إلى آذاني سيرة جدي الذي جاءه في منامه وطلب منه أن يبني له مقام بصحن البيت القديم....... قال لي أن هذا الحلم رآه أكثر من مرة وأقسم لي أنه من أولياء الله، تذكرت أن أريكة جدي بصحن البيت ، ذات مرة كانت جدتي تنظف البيت فغيرت موضع الأريكة ونسيت أن ترجعها إلى موضعها فلما دخل نهرها وطلب منها أن ترجعها وألا  تقترب منها ثانية.

غافلتنا الشمس الطرية الباردة وتسربت منا خلف التباب المرتفعة حولنا ،أفاق أخي على صفرة الشمس تملأ المكان، هب واقفا وصرخ في زوجته "أدخلي الأولاد......" وأشار إلى الضباب المسقوف فوقنا "من هناك تأتي الذئاب الكاسرة"

أرجفني صراخه وهرولته ليسوق الصغار داخل الجدران.

لملمت مفاصلي المرتخية على العشب الأخضر النابت بالأرض وهممت بالوقوف وأنا أربت على كتفيه واذكره بوعده لي بالزيارة كاسرا عينى تجاه زوجتي لتلملم الأولاد وهو يصر ألا نغادره في هدير الظلام موحيا إلينا بغيبيات السير في ليل دامس، ولكن عجز أمام إصراري ورغبتي في الرحيل.....

انفلقت زوجته من بين عقب الباب تهرول تزج لنا اللوم على تسرعنا وعجلتنا وبين أحضانها (قرطاس) مملوء بالفاكهة زجته بصدر زوجتي قائلة:"ده للعيال" التي تلقفته بكفيها وهي تقبلها،

 أقسمت ألا تطأ قدمه (راق) واحدة من الأرض لوداعنا وأن يظل بجوار بيته.

تعلق الصغار بكلتا يدي تتبعني زوجتي، نقسو على أرض دسناها من قبل قاصدين العودة وقد أبحرت الشمس خلف الجبال بمسافات وأطبق علينا الظلام فصرنا نتحسس الطريق بأقدام مكفوفة إلا من خيوط أشعة تمتصها الأرض من نجوم قد تسربت من ثقوب السماء .... وأنا أواصل السير وعيوني تمسح التلال المرتفعة حولنا وكأني أترقب شيء يطالعنا من ورائها. تفحصت السماء ثم الأرض ثم الجبال ،كان قرص القمر يتلصص علينا يطل باستحياء يراود الوجود بنور آت لا محالة حتى تخلص من نتوءات الجبل وتعلق بضباب السماء كامل مستدير فصرنا نرى أنفسنا وما حولنا ونحن نعجل الخطى بالطريق التي لا تنتهي ،

 خرج من بين الرمال يتبعنا بخطى هادئة تمرق عيناه إلى قلبي فيفزعني ، دب الرعب بأوصالي حتى انتصب شعر رأسي فزعا وأنا أراه يقترب ظل يقترب وتنحصر المسافات بيننا ، التصق الصغار بسيقاني يرتجفان وزوجتي تدب على صدرها من هول ما رأت..... كان علي أن أتماسك ، ترعى في رأسي براكين من هواجس سوداء وهو يمعن النظر إلينا  ، أتراه ابني ، أو ابني الصغير وربما ابنتي ، أو زوجتي وربما أنا،لا بد له من صيد، والمدى من حولنا يتسع ويضيق علينا، يتقدم بخطى ثابتة فلم يتبقى إلا أمتار وينتهي كل شيء، يواصل السير دون هوادة و أذناه منتصبتان إلى الأمام يتحسس الأرض بأنفه وعيناه الحمراء لا تفارقنا...... هو أيضا يدرس أثمن الصيد وربما راودته نفسه في الصيد كله.

ولما لا ، وهل يجد ما  يسمن جوعه إلا وجبة كهذه تجعله يعوى ليملأ السماء صراخا........ لم يتبقى إلا مترا أو مترين ليكشر عن أنيابه رافعا أنفه إلى السماء يسيل لعابه بخيوط لزجة متصلة بالأرض ، أنيابه غائرة ومخالبه نافرة ،صرخ الصغار من حولي فقذفتهم خلفي لعلي أكفيهم شره و ينتهي الأمر سحبتني زوجتي بكلتا يديها حتى صارت أمامي ربما لأنها أجمعت حساباتها فهي بدوني ميتة بكل هؤلاء الصغار فلا عائل ولا زاد، سقط من بين يديها (القرطاس) وتناثرت حبات البرتقال تتدحرج على الرمال ، استقرت حبة منها بين قدميه عضها بأسنانه وأخذ يمرغها بالرمال ربما كان يداعبها راقصا احتفاء بالصيد ، كان لابد أن يتراجع خطوات كي  يمهلني ثوان استرجع بها ذرات من الأمان الغائب والشجاعة المفقودة.

انحنيت على الأرض والتقطت حبة وقذفتها لأمتار هرول خلفها و أخذ يمرغها بالتراب ويطبق عليها بأسنانه فليفعل ما يحلو له فالوليمة بانتظاره طال الوقت أو قصر

انتهى من مداعبته لها كان يظنها جزءا من وليمته،أخذ يخطو إلينا ثانية ، التقطت حبة أخرى وقذفتها بكل ما أوتيت من قوة لأمتار عديدة وأمرتهم بأن يجمعوا (القرطاس) هرول خلفها ولم يداعبها ربما لأنه اكتشف بعد المسافة عن فريسته ، شمها بأنفه وتركها ورجع إلينا، أيقن  أننا نراوغه ،كان الوقت كافي لشعيرة من تفكير حتى يدوس هو كل هذه الأمتار بخطواته الهادئة ، داهمتني صورة جدي تتهادى أمامي في الأفق البعيد كخيوط دخان بيضاء برائحته الذكية تنغرس قدماه في الأرض وتناطح رأسه سقف السماء تتوهج صفحات وجهه ،تهدهد لحيته الطويلة البيضاء نسمة طرية ليست بالعابرة تسكن صدره الناصع بالبياض ،يشير إلى البيت القديم وأبوابه البرنزية المفتولة بجدرانه حتى سقف البيت.

لم يكن أيامها نسمع عن الذئاب إلا في حواديت جدي، ينسج من خياله حكايات تشخص أبصارنا وتسلب مسامعنا وتسحب عقولنا وأنه كيف لوي ذئبين شرسين بين زنديه بالبراري وجرهما من ذيولهما ميتين داخل القبو ثم حنطهما وجعلهما عالقين بالباب الرئيسي ليكونا عبرة لكل الذئاب ، نحن لم نرى شيء معلقا بالباب لأن ذلك كان في عقود صباه ، آه... ما أحوجني الآن إليك وإلى حكاياتك لتشد من أزري،ظل الذئب يتوجع الخطى إلينا ومخالبه تحنو على الأرض وتقسو علينا.... وأنا أتراجع إلى الخلف معطيا ظهري للفراغ ورائي فاردا كلا ذراعي أظلل أبنائي من خلفي محاولا طرق المسافات بيننا ارتطمت  بصخرة تدك أوتادها في أحشاء الأرض فانطرحت فوقها غاص سنها المدبب في ساعدي لتنفجر منه جداول من دمائي الساخنة و المرتبكة ،صرخت زوجتي وتكومت فوقي فسقط منها (القرطاس)وهي تساعدني على الوقوف ثانية أمام هذا المتربص بنا

 ارتوى (القرطاس)بدمائي وجزءا من خمارها المدلى على صدرها طالته الدماء ،أمسكت حبة البرتقال وقذفتها بعيدا آملة أن يعدو خلفها حتى تستطيع استجماع ما تبعثر مني ،هرول خلفها وأطبق عليها بأسنانه وابتلعها هذه المرة، أخيرا سكن جوفه بما قد يغنيه عن وجبته المنتظرة ولكن عاد إلينا أكثر شراسة وزادت أنيابه في انفراجها واتسعت مقل عينيه

 لمحت الدبابيس المغروسة بخمار زوجتي ، انتزعت واحدا وغرسته في جوف برتقالة بعد أن غمرتها بدمى المبحر فوق ذراعي  وقذفتها بعيدا هرول خلفها وابتلعها ثم عاد ، وقد زادت ضراوته بعد أن  ذاق طعم دمائنا الباردة المستباحة.

لم يتبقى في (القرطاس) إلا برتقالة واحدة وتنتهي حيلنا التي ضاق بها صدره ، وهو ينتظر ما الذي سنفعله بعد هذه الألاعيب الصبيانية ، انتزعت دبوسا وغرسته بأطراف آخر برتقالة مروية بدمائي وجعلته نافذا بكلا الجانبين وقذفتها هرول خلفها فاردا أنيابه ومخالبه على مداها بسط ذراعيه حولها وكأنه يودعها لفها بين فكيه وأخذ  (يلوكها) وهو يضرب بمخالبه الأرض ثم يعلقها في الفراغ من حوله ، أخذ يدور حول محيط جسده فاقدا توازنه وهو يزيد في العويل ويترنح ،يقع على الأرض تارة وينتصب ليقع ، أخيرا .... أطبق الدبوس على سقوف حلقه كان صراخه يفزع القلوب، حملت صغيري وهو من خلفي نهرول نقصف الأرض بكعوب تلوذ بالأمان تطاردنا صرخاته حتى لاحت لنا شراعات البيت القديم...... نظرت خلفي لمحت أخي وأولاده يهرولون بعصيِِِ و(نبابيت) أمهلت الخطى حتى لحق بنا يلهث ليخبرني أن الذئاب قد التهمت جميع أغنامه وطيوره ولما تذكرني أسرع الخطى خلفي  ، كانت قد بانت ملامح البيت ، نظرت إلي التباب من حولي وهي تطل منها رؤوس الذئاب نافرة الأنياب والمخالب حتى وصلنا إلى البيت فأوصدنا الباب خلفنا وارتمينا بأجسادنا المنهكة بصحن البيت ، انطرحت على ظهري تطالعني صورة جدي الوحيدة العالقة بجداره وأريكته التي كان ينام عليها......؟

.............................................................................................

 ( مدارات التغريب)

يقولون أن خلف الضوء يركض  الظلام ،أو ربما خلف الظلام يتوهج النور كما أن للحياة ألف معنى فلا يحق لك العيش دون احتواءها فتترنَح أنت بين مدقاتها وأذناب الحياة  أسفل خفيك تلهبك الأحاسيس وجعا ورغم كل هذا تصر على المسير ........

 

ما أحمقك وأنت بين الأزقة الضيقة تعدو آملا أن يحتويك المدى بين جناحيه تتقافز بين المتاهات ، وتسرد الأماني وتنشد الرغبات  ها قد صرت وحيدا كما كنت وحيدا ....... قالوا لك أوقف الترحال  فأصببت أذنيك مصرا على العدو بين الأزقة تحاكي نفسك وتناغيها كالطفل الذي يستحلب أصابعه.. فصار حديثك باهت لا تسمعه إلا أنت ولا تتحدث به إلا لنفسك....... تنظر خلفك  وتتثاقل الخطى ...... يا لك من مجنون تهزي من وطأة المسير ومن أدراك أن الذي خلفك هي المسافات وليس سراب لا تحتويه إلا مقلتيك وأن من حولك ليس سكونا بل ضجيج لكائنات حالمة مثلك ولكن دفنت أحلامها في مقابر صدورها.. فصارت مثلك لا ترى ولا تسمع إلا صدى صوتها ، من أخبرك أن أبواب الأماني أوصدت إلا من هذه السراديب التي تعدو فيها .غريب عقلك الذي تعفن من عربدة الأفكار.. تفصِل الأحلام للناس وأنت بلا حلم ، تقطع المسافات لتقطف زهور أحببتها ،لو أن ورودك التي تعدو خلفها وتقصف المسافات سعيا إليها ألفت أديمك أو استساغت مائك ما نبتت في أديم غيرك ،فكان أحق أن ترضى بزهورك ها قد عدت تضرب الأرض بأقدامك الحافية فتتمايل غصونك.. ويزداد وجعك للأرض بفأسك الغائرة في أحشاءها  وأنت مشدود الثياب محطب العروق ،تنهمر من جبهتك أمطار عرقك لتصل إلى رحم الأرض الدافئة فتتسلل بين مسانات تربتك لتصنع طينا لا يصلح إلا للعويل والنواح.......... تصيح ويتسرب صدى صوتك في الفضاء .. فتهدأ من روع المحدقين من حولك ،،،،،،،  وتصيح ..أمهلوني ساعة بل ساعتين بل يوم بل سنة  أمهلوني الدهر كله ،ليتكم تنتظرون .......وتكمل صياحك وأنت تحاكيهم  إما الأرض خبيثة أو النبت غير صالح ، تراهن الأقدار  على صدقك ،،،،، وتهوي بين ضلوع اليابس ولما تيأس تنظر إلى الوراء فترى السراديب الضيقة والدروب الوعرة ولكن اختنق فيها الضوء . توحي لمن حولك انك عائد للعدو مرة أخرى لتقطف كل زهور المدائن  حنقا على زهرتك التي لم تنبت لعل فيها من تحتويه أحضان تربتك ولكن هل يمهلك العمر ،فتفرغ يديك من أحمالها تمنى  نفسك بين همهمات المدى توجع المحيطين بك،،،،، يغتسل وجهك بوهج دموعك الساخنة ،فتتراقص حبات دموعك على خدك الجاف ثم تهوي بين أحشاء تربتك وإذا بك تلمح زهرة صغيرة تخرج من جوف أرضك الخبيثة فتنكفئ عليها بجبهتك ووجنتيك لعلها تعينك على نسيان أوجاعك ، فتغلق كل سراديبك الضيقة وتنطلق إلى المدى الذي كان يحوي كل الأحاسيس إلا أحاسيسك.

.............................................................................................

مالك الحزين يغنى

ما أضيع العمر الذي أهدى إليك  يا لك من مسرف ،ضيعته ولم تشفق عليه ، مالي أراك وقد انفرطت مسبحة العمر من بين يديك ، فأوحلت تضاريس وجهك بالتجاعيد التي أتت من غابر العمر، أي دروبك سبحت فيها ، وفى أي الأنفاق هويت، يا سارق العمر عد، يا صائد الأحزان ، يا لك من مأجور، كانت بيدك مفاتيح العشق، وها أنت ترنوا آخر محطاتك، تذكرك الأيام ولا تذكرها ، أنت نعم أنت ، تاجرت بكل شئ وخسرت كل شئ ، من قال لك أن الدنيا تدوم بريعانها  إنها تشيخ بشيخوختك  مالي أراك منطفئ الوجنات مظلم الانطباعات مهجور الابتسامات تكالبت على تفاصيل وجهك الآهات وترانيم الحزن المعبدى، زاهد أنت، قصري الزهد، مسبح دوما للفناء كيف سمحت للدنيا أن تستأ سد عليك وتجرجرك إلى عرين حزنها بأي روح جئت بجسدك النحيف ومن أرشدك إلى النغم، نغم الذكريات ،وأنت الذي لم تتأوه من عزوبة لحن قط، منذ أيام صباك ولم تدندن بأناشيد الصبايا على السفوح وترقب رقصات الصغار على خرير الماء وتمايل الزهور الحدائق مليئة بالعصافير تتقافز وتغرد على الفروع وبراعم الزهر البكر محنبلة القوام ترشق أزهار وروائح وعطور، لم تعد أنت صدقني وأنا أتابعك من على أريكتك تتوجع الجلوس وتتوجع الرقود لا بل تتوجع الركوع والسجود ما عدت حتى تمارس الطقوس، كفرت بآلهة العشق رغم كل الوجود الغافل عنك إني اذكر صباك اذكر يوم انطلاقك على جرف النهود  ما أهون الدهر الذي تستجدى منه سويعات من زمن ودعته تلوح من بين أعماقك بصهيل وضجيج الخل والأصحاب وشقاوات الصغار تحت أشجار التوت والنخيل،  عرس هجرته وعرس حضرته وغناء الفتيات الجامحات داخل الغرف المغلقة وخطابات وضعتها تحت عقب الباب لمحبوبة أربكتها أنوثتها وخطابات وضعتها تحت وسادة نومك خشية الأهل تحل أينما حللت تغدق النظر بين فراغات النوافذ المترهلة والمطرحة على أجساد البيوت الميتة أنت إذن سجين عالمك الذي رحل بسنين العمر أنت إذن تاجر عشق فاشل، ولغة العشق عندك حمل كاذب لأنثى مولعة بالصغار، المحك تتوجع وتصرخ صرخات تدوي في أعماقك لا يسمعها من حولك ،هون عليك وتشجع وودع مريديك ،الذين سلبهم تاريخك الكاذب اخبرهم انك تحمل أوزارك كاملة وأوزار من حولك، صدقني لولا هذا الضجيج من حولك والصخب، لولا ما تتصنعه من تغريد وغناء لولا كبرياءك المجروح والمذبوح لوارتك أحضاني وجعلتك تعتصر الحزن الكابد بقلبك ،القلب الذي توقف عن الخفقان ولأهديت لك عمرا هو عمري لتبحر فيه بين ربوع الشعر ولأسكنتك بيوت القوافي  فتعود صهيل ضحكاتك التي تملأ الأفق وتوجع القلوب العاشقة، ولكن عذرا فأنت أسير في ملك غير ملكي وتطوق أحاسيسك قوانين ليست من صنعي، عذرا مكتوب عليك أن تبحر في أحزانك ومكتوب على أن أرقبك من على أريكتك تتوجع وتتأوه فاحمل أوجاعك بين ضلوعي وأهيم بروحك تحت كعوب الحواري أتاجر  بحزنك وحزني ونترقب قيثارة لحن لم تطربنا وأنغام لم تشجى قلوب ماتت  ولكن قصرا نتمايل معها تحت قطرات المطر وعروق الشمس الحمراء و زفات الصغار لمجنونين استرقا من المدينة حلمها  وراح يطوفان شوارعها المستترة بفقاعات الضباب وغرغرة الشمس على أجناب الأرض ومالك الحزين  يمسك قيثارته ويغنى لصغار بين أحضان أمهاتهن  يسكنون الأحلام

.............................................................................................

حالة إنكسار

وقفت تتأمله تدقق في ملامحه التي غرقت في قهر السنين تتواتر دموعها الساخنة على صفحات وجه هزمته التجارب  تمعن النظر في ثقوب جلده المترهلة تتوه في  وخز السنين تكره تقرفصه وانكساره تمنت لو حملته ورحلت وأخرجته  مما هو فيه ينظر اليها ولا يحدثها من خلف باب الغرفة تمد له أطباقه المحملة بالطعام يعصر قلبها ظهره المنحنى وانكفاءه على الأرض  يتناول طعامه في صمت  ثم يتنهد  ويكنس الأرض بمؤخرته وهو يتزحزح للوراء تمسح دموعها وتقترب منه تلمسه من كتفه فينتفض ثم يتماسك حينما رآها تعرف أن برد الشتاء يخيفه  وتفزعه الأمطار وصرير النوافذ بفعل الهواء يتلوى من الخوف في ليالي الشتاء  زاد اقترابها منه وكلما لامست يديه انتفض  هاجمه الصغار اندفعوا من الغرفة المغلقة وارتموا في حضنه زاد فزعه وخوفه لاعبه الصغار  وتكومت صغيرته في حجره وامتطاه أخر وثالث يشد طرف جلبابه  اخذ يتكور ويتقوقع ويحتمي بظهره في الجدار اقتربت منه اخذ ينتفض ... شقت ثيابه حتى تعرى صدره وصاحت إنهم صغار رفع يديه يحتمي بها ويخفى وجهه من هول الصياح  صرخت إنهم أولادك فزاد احتمائه بالجدار هدأت من روعها ومسحت دموعها وربتت عليه .... كنست الصغار أمامها وتركته وحيدا يتأمل سقف الحجرة ويتوغل في ذاكرة تحمل من ماضيها أسوء  الأحمال وتتغذى على القهر والانكسار قليلة هي لحظات الفرح المحمولة بالذاكرة وكأنها أعدت لحمل الأحزان رحلات العمر الطويلة لا تتوقف إلا في محطات القهر   وذاكرة تتلقفها الانكسارات تترعرع في أعماقه عناقيد النواح فيتذكر أن البكاء في مسبحة العمر أكثر من الابتسامات  فتتلوى خيوط الوجه لترسم شرايين للبكاء وتحفر الدموع على الخدود روافد لمجاريها فهنا يجب أن تتوقف الرحلات .. حاصره الصمت فتلفت حوله وجدها تقف بالباب أبتسم  فابتسمت  وابتلعته بين أحضانها ثم نادت الصغار

.............................................................................................

اعماق الندم

ما كل هذه المسافات الخربة بأعماقك ... ما تلك الدروب المظلمة ... تمشى الهوينى من كثرة المذلات... تصور للناس صلاحك وتقواك تحكى لهم عن تاريخك المزور والمدسوس بالأكاذيب تدعى انك بلا أخطاء يقتلك الكبرياء ويقتلك الندم في آن واحد.... ماذا بك وقد تاهت منك الكلمات تترنح ألفاظك وتتساقط حروفك كوريقات الخريف اليابسة  لا تجيد ترتيب الحوار مع انك أسطورة الألفاظ ....وتدعى انك بلا أخطاء ...يقتلك الندم على رحيلك بين المسافات  وفى المناطق الرخوة تغرس أنيابك وتعصر لحظات الضعف عند أسراك  تظن انك بين ردهات الفراغ لا يراك احد.... لحظات ضعف تمر بها فرائسك فتتولد من رحم الظروف الحاجات ....وأنت التاجر الماهر الذي يشترى ولا يبيع.... قطرات حرمان تنزف من بين مسانات المشاعر فتتلقفها ....وتظن أنها غنائم حرب  .........هذا هو ماضيك الكائن في حي الذكريات.... هذه هي أخطائك وهذه هي سقطاتك........ تنتظر الملهوف على نواصي الحرمان....   ..  من أدراك لو أنها فجرت صبرها بك  ومن أين أتت بكل هذا الصبر على أفعالك ......ومن أدراك لو أسرت لصديقتها هذا العبث رغم انه يطربها ....هو إذن صبر  النساء تجوب وبين أجنابها سرك ومثواك ورغم ذلك تقتلك بوميض عينيها رغم بساطة اللقاء تقتلك أعباءه  فتميل عليك أحماله  ... فتسرد  أخطاءك وتلعن هفواتك فتستبيح حرارة الدمع النازف من عينيك  وتتمنى يوما أن يعود صباك  بلا أخطاء

 

.............................................................................................

تعطلت لغة الكلام

في عينيك تسكن المسافات بين دفئ الشتاء ونسيم الصيف صوامع يوسف ملئ بالسنابل الحبلى بدفء العشق فتلقين بجسدك بين ردهة الطرقات تمتلئ جوانحك بأحمال الحب الجامح لممرات أغلقت فيها المسامات ودقات قلب تصرخ من وجع الفراق  وثغر تيبس من هجر الرضاب وقلب يستمد لظاه من عثرة الكلمات  هنا فقط تتوقف الحياة لست أدرى لأي دروب العشق سلكتى ولأي هدير الأغنيات سمعتي بارت تلك الرحلات التي عانت من لهيب  حبيبات رمل داستها أقدام حافيات عمق عينيكى يرهبني وصفحات وجهك لها هيبة الطغاة لست أدرى بأي لغة تسرى معك الحوارات فقد أرداك العشق قتلا وأوهنك سير المعاناة

 ............................

في زمن اللاشئ يكون كل شئ وفى زمن التنجيم تكثر النبوءات عرافات الحي تهزوا بين الأقبية والحارات الضيقة تنسج مخطوطات القدر الغائبة عن الحيارى عندما تكتمل المشاعر تنضج الذكريات وأنت لا تؤمنين بسنن التغيير أو عبور المسافات  جئت محملة بعبق العشق الصافي وألقيت بنفسك ببركة الكره الأعمى أنت خطوات تجمدت عند حدود التغيير لا تؤمنين أن كل شئ يشيخ وتنطفئ شموع الحب عند ولوج أول مولد للكره هنا فقط تترنح الأفئدة الهائمة توهمين نفسك بالجلاد القابع بين عروق ظهرك يجلدك أنت جاهزة للقرابين تدفعين بنفسك أمام المعبد وتنحنين أمام التماثيل هى متعة الضحية التي ترغب بعيون الناس المستسلمة لقدرك وتنسي أن هاتف الحزن يطوف كل المدائن ووراء كل جدار صراخ وعويل اختزلت أحزان العالم بحزنك واحتكرت مصائب البيوت ببيتك وأنت تصرخين قدر كرس كل جيناته لقلبك الضعيف لأنك تفتقدين للتماثل  وترفضين التغير لو أن دفأك حوي من حولك ما قتلك الصقيع لو أن ضخ قلبك  الحنان ما عانيت التغريب ولكنك تودي لو  ترحلين عن وطن ليس بوطنك وعن كائنات ما تعودت منها التغريد أنت ترفضين التوطين راحلتك أما م قبوا المدينة تنتظر الرحيل ونسيت أن الأوطان تتشابه في المعاصي وتتكافئ في النكبات

 .......................

.تحت هذا الأديم القاسي تتوهج حمم الحياة ما لهذا الكون المتسع وقد اختزل معاناته على أبوابنا ، وحول حياتنا إلى وقفات ، تهيم سعادتنا في الشتات مغتربة ،رحلة عمر أنهكتها الأحلام ،وبسمات ثغر لم تدم سوى لحظات  فيجلدنا دهرا على حفنة ضحكات فتُسرق السنوات وتجُهض الأحلام  ويسير الركب إلى المنتهى بآهات  ما لهذا الوجود يكسوا قبوه قهر المعاناة لعاشقين ظلا يحلمان لسويعات فأفاقت عليهما الدنيا  ومالت  بالنكبات وبوهج السموم وريح الخريف أطفئت الشموع وانحسر الضوء وسرى بين الوجنات الظلام طال الرحيل  وتمدد المسير لبهو غرفة بأربعة جدران يكسوا حوائطها أنين الذكريات ونقوش أحلام تورمت فطال الانتظار ما لهذا المسير لا ينتهي إلى حيث لا انتهاء ما لهذه الحروف تساقطت فتعطلت لغة الكلام القلوب ترجف والعيون تنزف على عشق لم تؤويه إلا الدموع  وخدود توهجت فتورمت من عزاء العابرات اعلم أنها قاسية  الحياة لعنة الله على عشق تنموا بذوره في النكبات لعنة الله على حب يكبر بين الحزن  فإن استرخى عاشقه توقفت النبضات ،ُ كتب على ساكن الأكواخ لعنة الأكواخ وكتب على ساكن القصور سعادة القصور ألعنة أرض أم لعنة سماء أم لعنة أجساد أم لعنة  قلوب أم لعنة نسيم احتضنته رياح الخريف فتساقطت أوراق السعادة وتعرت غصون المحبين  فنصبر على حب لا ينزف إلا مرارة ة اللقاء والعيش والسكن إلى متى نترجى الأوهام  ونركض وراء حلم من طول رقاده  أصابته قرحة الفراش بأي أقنية جئت بها وأي كئوس عبأتها لنتجرعها  يا بائع  الأحلام بأى حرف كتبت نهايتها فعجزنا عن قراءتها فتعطلت لغة الكلام 

.............................................................................................

ثمار القلوب

 غريب أنت ........ ، جارحة تك الأيام ولن تؤويك طموحاتك ،تعرف أن بينك وبين الدروب مسافات ولا زلت تتوجع الخطى ......، جارحة عيناك التي يريحها قهر القلوب، تتلذذ بأحزان الناس، كجلاد لا يضيره وخز الجروح، ومن يدريك أن سوطك مرهون بأناملك..... ربما سقط السوط وسقطت ألوان الطيف من عينيك ،صقر جارح أنت توهم فرائسك بالحنان ،مخالبك هائمة بين جفونك،  ويح هذا الزمن الذي ألقاني في أوطانك ، ولكن أعدك ألا أطيل البقاء ....... منذ أول شروق للشمس وأنا أستريح على صفحات وجهك ،أسترق الحنان وربما الأمان ،أبحر في عينيك لعلي أجد حدود للشوق،تخطفني الآمال ،كيف تاه عن صانعك هذا السحر القاتل في عينيك لأحلام الناس ، غريب أنت في أشجانك وهمسك وأفراحك ،لم أدري كيف أبحرت فيك كل هذا الإبحار ،لم يفزعني موجك ،ولم يجهدني مدك ، ولكن أهلكني حول قلبك الدوران ...... لم أرى هذا الرق بأسفارك ،ولم أملك في أسفاري إلا هذا القلب الجائر يحويني ليقتلني ،قدري الخائب أرداني وجعلك تغني بناصيتي تنعيني ولا تبكيني ،قدري الأحمق أرجأك لزماني ،صمتك وانعزالك عني يقتلني .لم أعرف أنك تاجر أحزان ،لماذا ضيعت من وجناتك الامانى ... لا يليق بثغرك الشجن ، غابت الدنيا من بين أحضان البشر إن أنت يوما فارقت النغمات.......أعرف أني أحمل بين أشجاني قلب كثيرا ما أوردني المهالك ، هذا النافق في صدري يحالفني هواني ، لا تحزن يوما إن كان في قلبك مكان للأحزان إن مرت قافلة تحملني مسجي بأكفاني ،فقد مر هذا الركب يوما يحملني وأنت في نسيج الصبيان ،قتلتني ألوان الطيف بعينيك وروت بسموم العشق شراييني ورحلت في زمن القهر وتركتني أطفأ مصابيحي . يساو رني شك بأنك رويت صباك بأحزاني ،فامتدت عيناك تنازعني محرابي لتسحق ما بقي من وهن ، لا تحزن فأنت غير مدان ولكن لي أمنية لقلب تعود الخذلان ،إن صادفت ركبى يوما  تنوح عليه أقداري فيكفيني من عينيك دمعة تنساب على قلبي فتغشاني ، ولا تنسى يوما أني علمت قلبك الخفقان ، وعلمتك كيف تحوي نفسك وتلهمها السلوان ، وكم استرخت على صدري رأسك وأسلمت عينيك للأحلام ، وكم انزويت بأحضاني تستلهم ذاكرتي ، قبل أن تبحر بشراعك عن الشطئان ، وأني كنت لك ملاذا لا تلوذ بغيره ، إن قست على أحلامك الأيام وأنه جار على قلبك حب لا يستهان به ،كنت أراه في عينيك القاصرتان .... ولكن إن جاء يوما أشرقت فيه شمسك خاملة أو مرت بطيفك الأحزان أو جار زمن ليس لنا فيه خليل ، أبحر بغير شراع إلى شاطئ لربما وجدت جثمان يحملك هو جثماني ، فلم يزل قلبي يئن بالخفقان ، فالثمار التي أثمرتها بقلبي  لا تذبل ورودها ولا يجف عبيرها من الريحان ، فليس غريب على ( مالك الحزين ) أن يغني ، فلربما صار غنائه طربا ، وأخرج من سراديب حزنه لحنا يدمي قلوب جف حنينها ......... فكفت عن العصيان:

.............................................................................................

غنيت لك           فلمن أغنى

هشيم الذكريات

ليس بمقدورك أن تنتج الذكريات أو تحبوا فوق خيالات الماضي إلا بجواد جامح كان يركض هناك حيث الصفاء والوفاء والصدق والأحلام نرجسية هي حياة الصبا وغامرة تلك حيات المراهقات هي ورود تفتحت براعمها تسبح فوق القوافل والرحل  تنام عناقيد  الزهر فيها بابتهاج هناك حيث الركن  والزاوية والحارة والشارع والبيت القديم ودفئ الفراش والنوم على فخد الجدة تسمع الحواديت  حيث الترع والمصارف والاقنية والينابيع  حيث مكعبات الماء المهملة  في الصحارى لعمال التراحيل  حيث يهلل الأطفال  ويزداد صراخهم ويداهم مرفوعة تلوح للسماء إن مرت طائرة تحمل بين أحشاءها المسافرين  فوق السحاب يلوح الصغار بأيديهم لمسافر أتى من المجهول وذهب للمجهول هنا تزداد فرحة الصغار وهناك أيضا في مواسم الهجرة لطيور الشرق تطير  فوق الرؤؤس في أسراب يتقدمهم طائر لا يحيدون عنه يمرون في أشكال هندسية ثابتة فيهلل الصغار ينحنون إلى الأرض وتقبض اكفهم ( حفن التراب ) يرفعوها إلى السماء حتى تمر فوقها أسراب الطيور المهاجرة  ثم يفتشون التراب بأيديهم بحثا عن شعيرات من الطيور فمن وجد شعرة بيضاء سوف يبلغ المشيب ومن وجد شعرة سوداء يودعه الشباب فيزداد الصراخ لدى الصغار هنا فقط تكمن الذكريات لزى المدارس (كحلي اللون وحقائب تملئها الكراسات ومواعيد طابور الصباح  وعلم يتراقص في الفناء هو ذاك الوطن علم ونشيد  وولد يرمق لبنت من بين الطوابير فيبتسم وتبتسم يلمحه مدرس الألعاب يهرول إليه ويطرقه بعصاه على مؤخرته وينهره   ثم يتركه يبكى وينصرف باسما على شقاوة ودعته منذ زمن  الطلاب  هي إذن ذاكرة حبلى بنوافذ المغامرات  في عيد ( الخوص ) وعيد ( الغطاس ) وألوان البيض في ( شم النسيم ) وعيد يرفع فيه الصغار أعواد القصب والشموع  وعيد الأضحى ورمضان حيث ينام الصغار بين أحضانهم ملابسهم التي سيلبسونها على العيد ذكريات أول يوم دخلت فيه الكهرباء شوارع القرية خفنا ساعتها أكثر من خوفنا من الظلام  ومصابيح مدلاه من أعمدتها  قال ساعتها شيخ الجامع أن هذا من علامات الساعة وان القيامة قد اقتربت وسوف يموت الناس وتلفاز ( ابيض واسود)  في دوار العمدة وتليفون  يقصده الناس وشاب يقف على قارعة الطريق ينتظر فتاه تقصد النهر لتملأ ( جرتها ) وفى يده خطاب تنتفض كل أعضاءه وهدير قلبه يرعب أنفاسه يرمق الطرقات  كل يوم يقرر أن يعطيها الخطاب ولكنه يرتبك ويخاف  وهى ترمقه بعينيها  تدفعه للاعتراف ولكنه يخاف يقضى عمره على ناصية الشارع وفى يده الخطاب حتى تنقطع هي عن النهر فتبقى الذكريات  وعلى الأرصفة تقف القطارات والصغار حفاة  على أشرطة السكك يلوحون للمسافرين  فيقذفوهم بالحلوى فيتعارك الصغار ومسامير يضعها الصغار على القضبان فيطرقها عجل القطارات  تشبه الخناجر  فيتبارز بها الصغار يستحضرون حروب الأولين من الأجداد

.............................................................................................


التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

إبـــــــــــــــــــــــــداع

إبـــــــــــــــــــــــــداع
إضغط على الصورة لمتابعة الموضوعات

أغانــــــــــــى

أغانــــــــــــى
إضغط على الصورة وتابع

فيديوا وأفلام

فيديوا وأفلام
إضغط على الصورة وتابع

مقــــــــــــــالات

مقــــــــــــــالات
إضغط على الصورة وتابع

إســــــــــــلاميــــــات

إســــــــــــلاميــــــات
إضغط على الصورة وتابع

مـــــــــــدارات (ســـــــارق الأحلام)

مـــــــــــدارات (ســـــــارق الأحلام)
إضغط على الصورة وتابع

إسلاميات ومشاهير الصحابة

إسلاميات ومشاهير الصحابة
إضغط على الصورة وتابع

الأدب والشعر والقصة

الأدب والشعر والقصة
إضغط على الصورة وتابع

الأدب والشعر والقصة

الأدب والشعر والقصة
إضغط على الصورة وتابع

ألبوم صور

ألبوم صور
إضغط على الصورة وحمل

ما نشر فى الصحف

ما نشر فى الصحف
إضغط على الصورة وحمل

جميع الحقوق محفوظة

روعة الإحساس

2018


تطوير

ahmed shapaan