هذا الوطن المستباح برغبة وإرادة القائمين عليه هذا الوطن المخترق من كل شئ وهذه الأنا التي
علت على ربوعه وحدوده وثورة تفجرت في 25 يناير لتحكى للعالم مدى تجاوزات الوطن
ومدى إعياء وإنهاك مؤسساته تلك الثورة التي
قالت للعالم أن هناك شعب لازالت تدب فيه
الحياة وان هناك إرادة تترقب الفرصة لإحياء معابدها ولم نكن نتوقع أن نرى تحت هذا
الغطاء كل هذا العفن وكل هذا الفساد فيتداخل المشهد في أحداثه
ليتحول إلى لوحة سريالية غير مفهومة عند
غير المتخصصين في فن التحايل وهى مفهومة بالطبع عند أبطالها ورواتها فيلتبس على الإنسان العادي الأمر ويختلط عنده
مفهوم الوطنية والخيانة لتفتح السجون كل
ذراعيها وتستقبل زوارها الذين صاروا كالحجيج
لا تعرف العاصي منهم والتقى والتائب منهم والشقي ولكن عليك أن تحدق عينيك في
المعتمرين مذهولا وكأن هناك قرار باعتقال
كل الوطن شعبه وأرضه وإرادته .. في فلك المتربصين به تبدأ الأزمة بنظام مبارك وتشتد في نظام
مرسى وتتأزم في فترة الحكومة الانتقالية لتتغير الوجوه ويشذ السلوك ويتفرغ النائب العام للإحالة والإيقاف وتتسرب للعامة ملفات وأقوال تجعله يبحث عن منقذ
لهذا الوطن فالتناحر شخصي وصراع ايدولوجيا
والانقسام ثقافة واتجاهات كل هذا ضاع فيه الوطن الذي تحول من حامل لعبئ
نظام إلى حامل لهموم طوائف وأحزاب فيزداد صراخه وألمه من قسوة الأحمال ولم يدرك الجميع أن تلك الأرض هي
كل ماتبقى من عبث الغرب وان هذه الكتلة التي
لازالت تقاوم الانهيار هي كل ما تبقى من
وعك العروبة هذا الطاعون الذي التهم كل الأنظمة من
حولنا وحولها إلى خلايا سرطانية
ملتهبة وانهارت على أثرها منظومة الجيش العربي
الذي من المفترض أن تم إعداده منذ ولوج
هذا الجنين الخبيث ( إسرائيل ) ليبتره أو يهلكه نفاجئ أن خلايا هذا الجيش التفت حول أحبالها
السرية لتخنق نفسها فانهارت العراق ومن ثم ليبيا ومن ثم سوريا التي لا تزال في رمقها
الأخير حتى وإن لم تنهار فقد أخرجت أحشائها للغرب
وكشفت عن مخزونها الكيماوي وأنهكها
الصراع الداخلي وتحولت أرضها وطن للأقوياء وليس وطن لشعب وبعض الدويلات العربية أجرت أرضها وسمائها (
للعم سام ) وسلمت اكف الضراعة لسيدها ومالك
أمرها وحامى أنظمتها هذا هو المشهد الذي
غاب عن النخب المتصارعة والقوى السياسية
المتورمة من الإحباط واللامبالاة
من مستقبل هذا الوطن إننا إذن نسير بإرادة غيرنا مغيبين العقول والضمائر وغير مبالين عن آخر كتلة متماسكة من جسد الوطن المتمدد من أقصاه إلى أقصاه نحن نحيى فكرة المستعمر الذي جاءنا بلباس ناعم
وجديد لنكتشف جميعا أننا نعانى من أزمة
ضمير وأزمة أخلاق وأزمة وطنية
إننا نلهث على حكم بلد من خلال رؤانا لا من خلال رؤى الوطن إننا نتصارع من اجل دعم أفكارنا وتكريس
ايدولوجيتنا ومخزوننا الثقافي الذي جمعناه
من خلال سياسة الاستقطاب والعزل لكل ما هو معارض أو عاق لأفكار الحزب أو الجماعة والحق يقال إن الإخوان افقدوا للثورة زخمها وفقدوا طريق إصلاحها وضلوا السير على رغباتها كانوا نموذجا لوريث
حكم حاول إصلاح منظومته ولكن عصى عليه
اجتثاث جذور الفساد منها فأفسدوا
وفسدوا بالعزف على أنغام المفسدين أنهم
أرادوا شيئا لم يفهموه للشعب أو أخفوه عنهم ولما جنحت مراكبهم زاد صراخهم وعويلهم
على تاريخ لم يحسن كتابة نهايتهم في البلوغ لحكم مصر إنها الكارثة بالنسبة لهم أن
تخُتم أعمالهم بهذه النهاية والانهيار المدوي مهما كان عدد من خرج في 30 يونيو فلا مقارنة
بينه وبين من خرج في 25 يناير فانه لا
يتساوى من خرج وهو يحيطه الرعب والهلاك والدمار
فينجح وان كان عدده قليل بمن خرج تحت غطاء آمن وترغيب وحماية
ورغبة في اجتثاث نظام يتخبط وان لم يفسد إن من خرج في 25 يناير كاسرا حاجز
الخوف هم فقط الثورة والثوار وهم فقط من غير تاريخ مصر رغم إعيائها الشديد وان من
خرج في 30 يونيو خرج للإصلاح آمنا مطمئنا فهي
إذن صناعة ثائر أما 25 يناير فهي صناعة ثورة لا ينكر
أحدا أن هناك خلايا خبيثة لا زالت تعبث بمصير الوطن غيرت جلودها ولوت ألسنتها
ونافقت لتحجز مكانا في مقدمة الركب إنهم
مؤهلون ومدربون على ذلك ويجيدون هذا الدور
ببراعة ولولا الثورة لما اكتشفهم احد لدرجة أنهم مقنعين فتحسبهم ثوارا إننا إذن أمام
أمرين جلل أولهما إرادة خارجية ترغب في
هلاك الوطن بشعبة وانهيار جيشه ونخب
داخلية مغيبة تستجيب لهذا الهوى وتؤهل المعطيات لبرهانه وإثباته وهى تلك هي العاصفة التي بدأت بأفغانستان ومرت
بالعراق وليبيا وسوريا وحطت رحالها على حدود مصر منتظرة مناسبة الوقت للهبوب إن رباط هذا الشعب مرهون بإرادة شعبه وبعدوا خارجي وان رباطه لا يعنى بلوغ هذا إن دب السعار بين
خلاياه ومكوناته فقد تحطمت على أعتابه كل الطواغيت والغزاة ولكن لم نمر بتجربة
كتلك التي نعانى منها الآن من استقطاب وتهميش واستحواذ وتخوين إننا بحاجة إلى من
يحضن هذا القلب النابض ويلملم شرايينه المتناثرة ويوحد دقاته حتى ينتظم ويتعافى من
إمراضه إننا إمام مشهد ليس من الحكمة
تقييمه أو نقده أو إنصاف أحد أقطابه ولكن بحاجة إلى
لملمته واحتضانه إن مصر باقية كشعب
ولكن ماذا يفيد إن بقى هذا الشعب في التيه والتخبط أسير (ايدولوجيا نخبه ) المتناقضة
فان انهيار هذا الجزء المتبقي من عروبة تغنينا بها يوما يعنى أنه لن تقوم لتلك العربة قائمة ولو بعد مئات السنين