التاريخ الحافل بالإحداث يروى لنا العبر ويسجل رغم انف الجميع
الحقائق ما ظهر منها وما بطن تلك الدروس المجانية المقدمة من هذا الكائن غير المرئي
والذي له صلاحيات وقدرات تفوق الخيال في الوصول للحقائق البعض لا يستفيد منها على
مدار تجاربه الشخصية والعامة والبعض الآخر يتغابى في الاستفادة من الماضي وان من
ضروريات الاستفادة الفاعلة من دروسه هي دراسة الظروف والزمان والمكان لمواقع الأحداث
وهذه هي بالضرورة الحتمية لنجاح وتفادى أخطاء سبق حدوثها وهذه هي وقائع الأحداث التي تخللت العلاقة بين
المجلس العسكري والإخوان المسلمين وبقية التيارات الإسلامية فالمجلس العسكري
استفاد من تجارب الإخوان مع الأنظمة السابقة فاجتهد قدر الإمكان في تفادى تلك التجارب
لما لها من مرود عكسي أثناء إدارته لشئون البلاد فالتضييق والحصار يجمع ولا يفرق و يولد الولاء
والانتماء للجماعة (أي جماعة كانت ) والسجن والاعتقالات تولد تعاطف شعبي في ظروف
ليست في صالح المجلس العسكري كما انه تيقن
أن تجربة عبد الناصر والسادات مع الإخوان المسلمين وان كانت ناجحة آنذاك فهي الآن بمثابة كارثة لو
طبقت فتجربة ليبيا وسوريا واليمن لا زالت في المشهد تحاكى مصير من وقفوا في وجه
الشعوب كما أن الوضع العالمي الجديد
والنظام القائم على التحالفات الدولية والانتشار المرضى للفضائيات والغليان الشعبي
على نظام أتى على كل شئ وافسد كل شئ لن
يسمح له بتلك التجاوزات فكان لا بد له من
الطرح المفخخ لأهواء ورغبات الإخوان المسلمين وهو الإيهام بتملك كل شئ في الوقت الذي
لا يملكون فيه شئ كما ان كل ما يحتاجه هو بعض الوقت لتمرير وتسوية وإصلاح ما يراه
مناسبا لمصالحه وتأمينا لما قد تأتى به أيام ما بعد رحيله عن الحكم وقد غض الإخوان
المسلمين الطرف عن كل هذا بسبب ما توهموا
به من ملكيتهم لزمام الأمور وهنا لعب الدهاء السياسي والخبرة المثقلة بتجار الماضي
في إدارة الأزمة ومهادنة هذا الورم الخبيث الذي يؤلم أعضاء المجلس العسكري فكانت الفكرة التي فاجأت الكل وهى إلقاء الإخوان
المسلمين وأطروحاتهم للشعب وتحويل مناطق الصراع إلى الشارع بدلا من الأقسام وأمن
الدولة فكان الصراع مرا وقاسيا بالنسبة
للإخوان مع إغراءهم بما يتوهمون به أنهم فوق الكل وقد نجح وبامتياز في تلبيس الإخوان المسلمين في
حائط الشعب ومنح لنفسه فرصة كاملة لتنفيذ بعض وعوده وترتيب بعض أوراقه وترميم بعض التشققات
في النظام السابق والحق يقال أن المجلس العسكري لم يبدع في هذا ولم يأتي بمعجزة
ولكنه وجد الأرضية الرخوة لتنفيذ طموحاته ووجد المساحة النفسية المنهارة للإخوان
المسلمين على مدار عقود مضت كافية لتنفيذ تجاربه
والحصول على نتائج مبهرة أما الإخوان المسلمين فقد حاولوا الاستفادة من تجارب الماضي
ولكن بطريقة معكوسة وقد تغابوا في فهم الظروف والأحداث التي مرت بكل مرحلة عانوا
فيها والمحيط الدولي والشعبي المصاحب لتلك الأحداث ولكن لأنهم وقفوا عند حدود الحدث حاولوا تحاشى
الصدام مع المجلس العسكري وربما يكونوا محقين في هذا بعض الشئ لما قدم لهم من إغراءات
وهمية وتباهت التأثير السحري للجماعة على الشعب والصراع الداخلي غير المعلن آنذاك والذي
ظهر بوضوح بعد دخولهم البرلمان ولم يستطع الإخوان المسلمين التمييز بين فترة عبد الناصر الرجل الذي قدم
مشرعا وطنيا وإفريقيا تبناه الفقراء والعامة مما اعجز أي تأثير من أي جهة كانت على
عقول عشاق عبد الناصر الذي بلغ الحواري والشعبيات والأماكن المهملة ولم يتيقنوا أن ما لاقوه في تلك الحقبة كان سببه
تملك عبد الناصر لقلوب الشعب وخطواته العملية في نهضة مصر كذلك الحال في فترة
السادات الذي شق من عباءتهم الجماعات الإسلامية وأوردهم صراعا لا ينتهي مع
الناصريين وانه قدم للشعب نصرا وتحرير للأرض ومعاهدة سلام وان كان عليها بعض
التحفظات ولكن كان لها مريدوها أما المجلس العسكري لم يقدم مشروعا قوميا ولم يأتي
حاملا كل ما حدث في 25 يناير على أكتافه فقد قرر من البداية انه سيكون المايسترو
لضبط إيقاع الحياة المصرية لحين استقرار الأوضاع
ورغم تحفظات البعض على المجلس العسكري لم تكن له الشعبية الكافية التي لفيها
عبد الناصر أو السادات ولم يقدم مشروعا طموحا لمصر يعوضها عن تعثرات الثورة إلا أن
الإخوان المسلمين ارتموا في أحضانه مستسلمين خانعين دون تفكير وأعطوا ظهورهم للشعب
الذي ثار وتجاهلوا صرخات الثوار وظنوا بذلك أنهم تحاشوا صدمات الماضي وان تمكينهم
من إدارة شئون البلاد هي قاب قوسين أو ادني من البلوغ ، إن بعض التنازلات لا تضر في
سبيل التمكين وان التهاون في الحقوق
والمبادئ الأساسية والتقية والمناورة لا
ضير منها في سبيل الوصول للسلطة ورغم الانشقاقات والانفلات الحاصل بين صفوف
الجماعة إلا أن النخبة منهم واصلوا المسير بأخطاء رفضوا الاعتراف بها أو تصحيحها
ليفاجئوا بعد عام ونصف من الثورة أنهم ضحية شراهتهم في الوصول للحكم وان الخطيئة
الكبرى في تاريخ تنظيمهم هي تهميشهم للشعب والثوار وان كل ما بلغوه وهيئ لهم انه
النجاح ما هو إلا إخفاقات تُسجل في تاريخ الجماعة وهى إخفاقات تختلف عن سابقتها
لأنها كانت صناعتهم بامتياز وان المجلس العسكري
كان اذكي وأدهى من عبد الناصر والسادات في تعامله مع الإخوان المسلمين والذي ألقاهم
بين براثن الشعب ووضع لهم في كل انجاز حققوه وكل خطوة تقدموها قنبلة موقوتة تنفجر
متى أراد المجلس العسكري ذلك ولم يبقى لهم من طريق مشوا فيها وحدهم إلا التحايل ولترضى والخضوع لقرارات المجلس
حفاظا على عدم انفجار تلك القنابل والتي
سوف تنفجر بالقانون وبالشرعية التى وافقوا
عليها وكفروا الشعب الذي رفضها