بأي حال جئت يا عيد ........... من أي جرح تنزف يا وطن

وقف مدرس التاريخ في بداية العام الدراسي ثم قال لتلاميذ ه  في النصف الأول من العام سندرس الاستعمار الأجنبي في الوطن العربي  وفى النصف الثاني  سندرس حركات التحرر من الاستعمار الأجنبي  وان كان هناك من وقت تبقى سندرس كيف سقطت فلسطين بأيدي اليهود  سنة دراسية موفقة وكل عام وانتم بخير  ثم خرج  من الفصل منهيا حصته الأولى من العام الجديد  وكأنه أراد أن يخبرنا أننا نعيش في وطن منذ نشأته وهو يحتضر من وطأة القهر والظلم  وغباء من قادوه إلى نحبه الذي لم يأتي بعد  وفى كل قيراط من جسده جرح ينزف فمنذ ظهور المصطلحات السياسية ونحن نقرأ التاريخ  تاريخنا نحن أبناء الوطن المأزوم  على مدار دراستنا  نخط للوطن أمنيات لتاريخ نحلم به ولكنه مفقود نقرأ تاريخ وطن تواترت لنا أنباءه ونقله الرواة  ليس فيه إلا المعانات والصراخ ثم الراحة بعد المعاناة  التي يظل نزيفها يسرى فينا من دماء الأبطال الذين ضحوا من اجلنا ولم نكن نعلم أنهم سلموا لنا راية الكفاح حتى لا تقر لنا عين ولا يغمض لنا جفن ولا يستريح لنا بال   وطن كلما قرأنا تاريخه ومسحنا جغرافيته وجدناه داخل حلبة الصراع مع الذي جاء من أقصى الدنيا ليستعمرنا ثم يضعنا فوق موائد الطامعين يقسمنا كالشاة المذبوحة ويسلبنا  كالمقتنيات المهملة تحت أسقف البيوت المهجورة  هذا الوطن الذي تعبأ من العقد والإحباط  ورغم ذلك لم ينكسر أبدا مكتوبا على أبناءه النزول لميادين المعارك حتى تزهق روحه أو يحمل لواء النصر بعد معاناة كل ما قرأناه في كتب التاريخ عن هذا الوطن هو انه كان محتلا وكان أسيرا تحت يدي الغزاة ثم تدافع أبناءه نحو التحرير والتحرر من رق الاستعمار في كل (قُطر) تجد قصة ورواية  لهذا الشعب الذي كلما ضاقت على المستعمر أرزاقه تربع على صدور هذا الوطن يرعى في مراعيه ويشق بطون الأرض فيه ليؤمن لنفسه زاده  من مصر إلى بغداد ومن تونس إلى الصومال انهار من الدماء سالت ليتحرر هذا الشعب من أسره هو تاريخ مليء بالمعاناة وفاتورة حساب يدفعها ليس له فيها شأن ولا منفعة، وجملة أخطاء حكام  وأطماع أنظمة أكلت كبد الوطن (فلسطين) التي انتزعت من أحشاءه وهو يترنح من المرض  هو وطن مأزوم وجرحه غائر  ثرواته كلها للأغراب وأحلامه صراع من اجل البقاء لست أدرى أهي لعنة شعب أم لعنة أرض أم هي الأقدار جعلته وطن لا يصلح إلا للأطماع  تقول لنا كتب التاريخ أن الوطن العربي كان  ( تركة الرجل المريض( الدولة العثمانية ) الذي وزعت ثرواته بين الغزاة واستبيحت أرضه للطامعين ) ثم دخل جولته الأخيرة وهو في الرمق الأخير من حياته لينال حريته واستقلاله ليبعث من جديد  ولما تحرر من مستعمريه سلم رقابه إلى مغتصبيه من الطامعين من أبناء وطنه ليدخل صراع آخر وتحرير أخر واستقلال آخر وهو التخلص من حكامه الظالمين حينما بلغ به اليأس والقنوط مبلغة ليدخل فيما يسمى بالربيع العربي تبدأ القصة من تونس حينما يحرق ( بوعزيزى) نفسه فتشتعل النار فيه فتلتهم الأنظمة الظالمة معه شعلة نار هبت في تونس فاستقرت في مصر قبل أن تمر على ليبيا واليمن وسوريا ولا زالت تواصل مسيرتها ولا أحد يستطيع أن يتنبأ متى ستتوقف  فتشتعل الثورات بالتوالي لا تستثنى وطن ولا قطر  بعضها لا زال يئن والبعض جاهر بالعصيان  والأخر حسم أمره وخلع أنظمته  فلعنة مواطن أتت على وطن من أقصاه إلى أقصاه هذا   الصراع الغريب والنادر  بين أبناء الوطن حاكم ومحكوم المروى بدماء الأبطال  على طوله وعرضه  أنظمة تدك شعوبها بالطائرات والصواريخ أملا في البقاء وشعوب خرجت وقررت ألا تعود إلا بكبد النظام الذي استفحل وتوحش ثم شاخ وترهل بعد أن أذل شعبه وفرط في وطنه وتأمر مع الأعداء لتدور رحى حروب وصراعات  وتهدر قوى وتهدم مؤسسات  وتسفك دماء لو أنها اختزلت ليوم فيه إرادة لحررت فلسطين ولكن تلك الأنظمة اختزلت قوتها  وأنشأت جيوشها للحفاظ على نظامها وعرشها فأجبرت  الشعوب للخروج  مرة أخرى نحوى التحرير ولتملك إرادتها وتعتق رقابها من عبودية الأنظمة المستبدة هذا الوطن المجروح الذي لا تحمل ذاكرته إلا البطولات الملطخة بالدماء فكل ذكراه واحتفالاته هي جولات صراع وكل أعياده هي ذكرى لرد الانتكاسات ويأتي هذا العيد ليس  كغيره من الأعياد ففي كل بيت شهيد أو مصاب ينتظر أهله القصاص هذا العيد الذي حزنه فرح ودموعه كبرياء مثله مثل كثيرا من الأعياد التي مرت علينا والتي حولنا فيها أحزاننا إلى أفراح فيمر علينا وبنا جروح نفتخر بها وألام  تسعدنا  ونصر هو أقوى من النصر على الأعداء هو الانتصار على أنفسنا وخوفنا   يأتي هذا العيد ونتمنى أن يمر علينا  عيدا نحتفل به بالانجازات لا بالتضحيات