عندما يباع شعب ويستباح الوطن عندما يتاجر بكل شئ حينما يكون كل شئ داخل حدود العرض والطلب لمن يزايد وتجتمع الإرادة على إبادة قطر بشعبه بدءا من سرقة قوت يومه وإهداء حاجياته الضرورية للأعداء واستجلاب ألأمراض المتسرطنة وبيع أراضيها وتفتيت شعبها وتجريف هويتها القومية والعربية عندما تستباح كرامة شعب وعرضه وماله يبدأ العد التنازلي لبدء الثورات والتي إنما قامت ليس لتأسيس نظام أو إصلاح نظام فسدت كل خلاياه إنما تقوم لهدم النظام ومحاسبته أولا وتطهير جسد الوطن الموبوء بالمرض ثم يبدأ البناء ولأن الثورات هي خط النهاية لكل المحاولات لإصلاح الوطن فهي تبدأ وقد استنفذت كل طاقاتها للترميم ولم يعد أمامها إلا هدم النظام لإعادة بناءه من جديد وتبدأ الثورات باستباحة كل شئ والهيمنة على كل شئ فتأخذ زخمها وغليانها بكثرة مفاجآتها وعدم التوقع لمسار ركبها الذي اعتلته وسيرته بإرادتها لتحدث صدمة للجميع بمن فيهم صانعيها وضحاياها وتجرى رحاها بين طوائف الشعب مجرى الدم في العروق وهذه هي ميزة الثورات تربك الجميع وتخلط الأوراق لتعيد صياغة المرحلة حسب إرادتها والمألوف في تاريخ الثورات أن طوفانها يغمر الجميع وينحني له القاصي والداني ما دام يقع في مدارها فيسلم بفورانها ويترقب ما قد يسكبه( القدر) وما قد يبقيه في فلكها ويستثنى من ذلك الثورات العربية الحديثة والثورة المصرية خاصة التي بدت عليها علامات الشيخوخة والإنهاك بمجرد قيامها ثورة استسلمت لكل المتناقضات وانحنت لكل الأدوار حتى لم تعد قادرة على لفظ معارضيها لنفاجئ بالرأي والرأي الأخر وهذا غير معهود في تاريخ الثورات ولنفاجئ أيضا أن الثائر والذي قامت عليه الثورة على مائدة واحدة يتحاوران ويتلونان كالثعابين غير واضحة فيهم رغبة الإيرادات وأصبحنا نتحدث على الثورة المضادة والثورة في بكرها وهيجانها ليصعد موجة الثورة أشخاص هم من أجلهم قامت الثورة وعليهم قامت دون حتى ما يعلنوا التوبة أو البراءة أو الاستغفار من الذنب فتتحول كل انجازاتها وإخفاقاتها إلى المجهول فمنذ قيام الثورة حتى الآن تمر البلاد بأحداث وكرب ليست من إفرازات الثورة أو توابعها ولكن تُحمل على عاتقها والفاعل مجهول والذي يسير أمور البلاد مجهول والشعب الذي قام بالثورة مجهول والمعارض للثورة مجهول أنت إذن إمام حدث فريد يستحق الدراسة والتحليل ابتداء من عدم الرغبة في تفعيل إرادة الثورة وعدم المساس برموز الفساد إلا ما يخذى عين الثوار من إجراءات شكلية في تفعيل المحاسبة والقصاص لتاريخ أهدرت فيه كرامة المواطن ليس عيبا أن يقود الثورة بقايا الحرس القديم للنظام ولكن الغريب هو السير على خطى الماضي والحفاظ عليه وتخليده على استحياء إذا لزم الأمر والحقيقة ما كان لهم هذا أن يكون لولا وجود السياسيون الجدد وهواة السياسة الذين داروا في فلك المرحلة بحزمة من التنازلات المهينة والتي أتت ثمارها على المواطن البسيط والذي هو غير هاوي أو محترف للتقلبات المرحلية للثورة لتجد نفسك أمام صبيان السياسة الذين استهوتهم الحالة الثورية والتي نادرا ما تمر بها البلاد بل كان من المستحيل المرور بها في وضع كوضع مصر والذين لم يكونوا جزءا أصيلا منها أمام عواجيز السياسة والامتداد الطبيعي والشرعي لمن قامت عليهم الثورة لتدخل على حين غفلة إلى بستان الثورة ممنيا نفسك بما تحلم به وما لا تحلم به لتجد نفسك أمام أشجار تساقطت أوراقها وتلوت عروقها وجفت ثمارها ولم يبقى منها إلا بريق عنوانها في مدخل البستان هي إذن ثورة أسمعت وما أنجزت برقت وما أضاءت نبتت وما أثمرت فتحولت إلى حالة اكتئاب شديدة لصانعيها فترصد نتائجها على مدار تاريخها تجده حفنة من ترويج إعلاني وإعلامي وفقط وان نتائجها المحققة بامتياز هي انفلات أمنى بطول البلاد وعرضها وفساد إداري وأخلاقي يتزايد وبشراهة في كل القطاعات تيه وتضليل وتزييف للحقائق تخوين وتربص وتشكيك لكل الإرادات وهذا هو المطلوب العقاب الجماعي للثوار ولمن قامت عليهم الثورة ولمن تبنوها وان هذه الظاهرة تريح قطاع ليس بالهين تمرغ في الفساد حتى النخاع ومن مصلحته عدم الجدية في التعاطي مع فعاليات الثورة لأن هناك أوراق ضغط متبادلة لدى كل الأطراف وكأن الفساد قد غطى كل الممتهنين بالسياسة كما أن هناك أوراق ضغط متبادلة بين البعض وبين القوى الإقليمية والدولية والتي يلوح بها عند الضرورة إن هذه القوى ليس من مصلحتها أن تصل الثورة المصرية إلى نهاية طريقها سالمة فهذا يعنى عروش قد تترنح أو ربما تنهار وأن هناك دول أمانها كان قائما أصلا على ولاءات النظام المنهار كل هذا وارد ولكن يكمن الخطر حينما يرتبك صاحب القرار نتيجة تلك الضغوط وتتوالى تنازلاته التي لا يحكمها سقف معين مما قد يفقده توازنه في إدارة الثورة وتجمد كل المساعي لبتر الفساد والذي لا زال مستشر حتى نخاع هذا الوطن إن الصدى الذي أحدثته أحداث التعامل مع الإخفاقات هوت بدورها إلى قاع هرم المسئولين الذين تيقنوا انه لن تكون هناك محاسبة جادة وفعلية مما زادهم في التمادي في الفساد الإداري والمالي حتى انك تكاد وأنت تتجول بين المصالح والمؤسسات الحكومية تتيقن أن الأمور كسابقتها
لم يتغير شئ وان ما يحدث في مصر ليس عبئا على أحد وليس دربا من دروب المستحيل تغييره ولكن هو صناعة منظمة ومحكمة الإتقان من أطراف وغض الطرف والتهاون من أطراف أخرى مما يؤكد غياب الإرادة في التغير والذي جعل الثورة تحتضر في كل بيت من بيوت مصر